للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما حدث بعد الاستيقاظ]

ناموا ثلاثمائة وتسع سنوات كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وانتهت الفترة، وأذن الله أن يقوموا من منامهم، فاستيقظوا وجلسوا: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:١٩].

كان المكثر منهم يقول: لبثنا يوماً كاملاً، والمقل يقول: نصف يوم، لكن سوف يخبرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فجلسوا، قال أهل العلم: لما ناموا في الصباح واستيقظوا بعد هذه الفترة مع العصر، فظنوا أنه يوم واحد

.

قالوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف:١٩] أي: بفضتكم يأخذ لنا طعاماً أو إفطاراً من السوق وليتلطف، وقد كانوا أذكياء، فقالوا: ليذهب بخلق حسن، فلا يخاصم الناس، فيأتون بنا مع هذا المجادل للناس، فذهب بالعملة وكانت مضروبة قبل ستة ملوك، فقد أخذ الزمن ستة ملوك وماتوا جميعاً، وتغيرت المدينة والطرقات والميادين والسكك والعملة والناس، فأتى هذا الرجل، فدخل المدينة، وقد تغيرت ملامحها قال أهل السير: كان يقول: أنا نائم أم أنا يقظان؟ فلما ذهب وجد جماعة يبيعون طعاماً، فقال: ائتوني بطعام وخذوا هذه العملة، قالوا: هذه في عهد الملك دقيانوس، وقد مضى عليه ثلاثمائة وتسع سنوات، من أين أتيت؟ قال: أنا في عهد الملك دقيانوس وأنا أعيش معه في مملكته ما مضى علي إلا يوم! قالوا: كذبت! أنت مجنون! فاجتمع الناس عليه حتى رفع إلى الملك، فلما رفعوا أمره، أتى بهم وذهب برعيته إلى الغار، ولما أشرف على الغار، قال صاحب الطعام: انتظروني قليلاً، لأدخل الغار، لأرى أصحابي يتهيئوا لاستقبال الملك، فدخل عليهم، فلما وصل الغار، ألقى الله عليهم الموت فماتوا، ودخل الملك ورعيته، فوجدوهم أمواتاً {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:٢١].

فهؤلاء قوم اهتدوا بهداية الله، ووجدوا الهداية في الغار عندما لم يجدوها في الدور والقصور، ولم يجدوها في المناصب والثروة والأولاد، ووجدوها في الغار يوم أنزلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وللحديث بقية.

وأتى عليه الصلاة والسلام ليقص هذا النبأ على قريش فمن مؤمن ومن كافر، ومن مصدق ومن مكذب.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>