للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة قوم سبأ في القرآن الكريم]

عباد الله: إن الله يذكر لنا ما فعل بالقرى يوم كفرت بأنعم الله، ويوم عطلت حدوده، وتنكرت لشرعه! اسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:١٥ - ١٩] سبأ: قبيلة تسكن في اليمن، معهم سدٌ عظيم، يملؤه الله كل سنة بالماء، أنبت لهم أنواع الثمرات؛ مثل ما أنبت لنا اليوم أنواع الخيرات.

سلْ العالم كيف نعيش من رغد، سلوا الدنيا أي بلدٍ أسعد من بلادنا؛ أمنٌ ورخاء، سهولةٌ ويسر، فواكه الدنيا، وثمراتها، وملابسها، وأدواتها: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

عاشوا في سبأ كما عشنا {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:١٥] لكل رجلٍ من أهل سبأ بستانان عظيمان عن اليمين وعن الشمال، ذكر المفسرون أن عذق النخلة في سبأ كان لا يحمله إلا فرسان اثنان، النخلة تثمر في السنة مرتين، وكان الماء ينهمر كالسلسال تحت أرجلهم، وظلل الله عليهم الغمام، فلا يرون الشمس إلا نزهة، والمرأة تأخذ المكتل، وتضعه على رأسها، وتذهب من تحت الشجر فيمتلئ المكتل من كثرة ما يتساقط فيه، والطيور التي ترفرف على الرءوس، والعليل مع النسيم، والرخاء مع السعد.

لكن ماذا فعلوا؟ عطلوا أمر الله، الله يقول: آمنوا بالله، فيقولون: كفرنا، يقول: واسمعوا، قالوا: سمعنا وعصينا؛ كما يفعل بعض الناس، له بيت فخم، وسيارة فاخرة، ومنصب مرتفع، ومالٌ وشيكات، وأولاد، جار للمسجد لا يصلي في المسجد، طبع الله على قلبه، مجرم، بل يعين على فساد قلبه بقلبه:

يقال له: استمع القرآن، فيقول: لا، بل أستمع إلى شريط غنائي.

يقال له: انظر إلى آيات الله في الكون، يقول: لا، بل انظر إلى الأفلام الماجنة.

يقال له: استمع التلاوة؟ يقول: بل أستمع إلى أغنية ماجنة.

يقال له: اقرأ في كتب الإسلام، يقول: بل أقرأ في مجلة هابطة.

سبحان الله! لأنه لا يرى إلا بعينه التي يرى بها الحيوان، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] قال الله: آمنوا، قالوا: كفرنا، فماذا أرسل الله عليهم؟ أأرسل عليهم جيشاً من السماء؟ لا، هم أقل وأذل من ذلك، ماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم فأرة.

يقول المفسرون: أراد الله أن يخوف قوم فرعون؛ فأرسل عليهم قملاً وضفادع وجراداً.

وأراد أن يهلك نمرود بن كنعان فأرسل عليه بعوضة فدخلت في دماغه فقتلته.

وأراد أن يهلك سبأ فأرسل عليهم فأرة، ثم قال سبحانه: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:٧٣ - ٧٤] نخرت الفأرة سدهم، وفي الصباح تدكدك السد، واجتاح الماء الهائل بأمواج كالجبال مزارعهم وبيوتهم، ومطارحهم وأشجارهم، وأصبحوا يولولون ويبكون في رءوس الجبال، لماذا؟ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:١٦] ويقول سبحانه: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:١٩].

معظم القبائل من اليمن وأجدادكم الأزد كانوا في سبأ فتفرقوا أربعة أقسام؛ لأنهم عصوا الله، فلا نريد نحن أن نعصي ربنا، فمنهم أزدٌ في عمان، ومنهم الغساسنة في الشام، ومنهم أزد شنوءة وهم نحن في الجنوب، ومنهم الأوس والخزرج أنصار محمد صلى الله عليه وسلم.

أنا ابن أنصارك الغرِّ الألى سحقوا جيش الطغاة بجيشٍ منك جرار

نحن اليمانيين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار

نريد أن ننتسب إلى الأنصار، لا إلى جدنا الظالم الأول الكافر الذي كفر بنعم الله.

نريد أن نكون مؤمنين مصلين، وصائمين صادقين؛ ليحشرنا الله مع أبناء عمومتنا؛ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وحسان بن ثابت؛ لا أن يحشرنا الله مع الظلمة الذين حاربوا شريعة الله.

فصلتنا بالله الواحد الأحد أيها المسلمون! {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].

اللهم صلِ على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الأطهار، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح الملك، وولي العهد، والأمراء، والمسئولين، والقضاة!

اللهم أصلح الطلبة والأساتذة! اللهم أصلح البيوت! اللهم أصلح القلوب، اللهم أصلح الشعوب، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم لا تعم أبصارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك، واتقاك، واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين!

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>