للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وقفة مع سورة قريش]

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذِّكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

فإلحاقاً لهذه السورة يقول الله تبارك وتعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:١ - ٤].

يقول الله من أجل اجتماع قريش وائتلافهم واستيطانهم وأمنهم وعيشهم: جعلنا لهم رحلة الشتاء والصيف، وأمنَّاهم من العدو، وأشبعناهم من المجاعة، فلماذا يشركون بالله قاتلهم الله؟! ولماذا يريدون إلهاً غير الله أنى يؤفكون؟! كيف ينعم الله عليهم ويؤمنهم ويعبدون غيره؟! عجباً للإنسان ولعقله يوم ينعم الله عليه ويرزقه الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، والعافية والشباب، والمكانة والرغد والسعادة، ثم يعبد غير الله!

وقد ورد في كتاب الزهد للإمام أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يابن آدم! خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد} عجباً للإنسان الذي لا يذكر نعم الله عليه!

ولذلك يقرر الله العباد بنعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فيقول: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ} [قريش:١ - ٢] لاجتماعهم وأمنهم ورغدهم جعلنا لهم رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:٣ - ٤] ومكة خالية من الثمار والزروع، قاحلة جافة، لا بساتين ولا حدائق ولا أعناب ولا نخل، ولكن إبراهيم عليه السلام أخذ من الله سبحانه وتعالى عهداً أن يشبع جائعهم، ويطعم فقيرهم، ويكسو عاريهم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

أما رأيتم يا أهل الجزيرة! نعم الله عليكم وبلادكم قاحلة جافة صحراوية؟! ولكن لدعوة إبراهيم أتت كل الثمار من أنحاء الدنيا، وكل الخضروات والفواكه تأتي طازجة تحملها الطائرات من مدن العالم لتغذيكم في جزيرتكم علَّكم تعرفون نعم الله وتشكرونه، وعلَّكم تعودون إلى أمر الله تبارك وتعالى.

والحجيج ملايين مملينة ما شكى أحدهم قلة الخبز أو الفاكهة أو الماء، وهذا لدعوة إبراهيم، لكن يوم أن نترك أمر الله، ونتعدَّى حدوده، وننتهك حرماته، يسلب الله عنَّا النعم، ويزيل عنَّا الأمن، فليس عندنا عهد من الله ألا يأخذنا أخذ عزيز مقتدر.

قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢].

إن معنى بقاء الأمن والعيش ورغد الحياة والستر والعافية هو أن نبقى مع الله عز وجل، وأن نقوم بأوامره، وأن نعرف بيوت الله ونتلو كتابه، ونكون على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ على حبيبك ونبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه.

اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه يا رب العالمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفِّر عنهم سيئاتهم، وأصلح بالهم، واهدهم سبل السلام يا رب العالمين.

ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>