للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو الطيب الطبري حفظ الله؛ فحفظه الله]

وفي حديث عند الترمذي بسند حسن: {اغتنم خمساً قبل خمس: -ثم ذكر منها صلى الله عليه وسلم- شبابك قبل هرمك}.

قال ابن كثير وهو يترجم للمحب الطبري؛ -وهو إمام شافعي كبير، من أجل الأئمة الشافعية، كان مزاحاً دعوباً، وكان متقياً لله عز وجل- يقول: ركب معه شباب في سفينة، فلما اقترب من الشاطئ قفز من السفينة إلى الشاطئ، وحاول الشباب أن يقفزوا فما استطاعوا، فقالوا: كيف استطعت أن تقفز وأنت في الثمانين، ونحن شباب لم نستطع؟

قال: هذه أعضاءٌ حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر.

ومعنى الكلام: هذه أعضاءٌ حفظناها من المعاصي فحفظها الله علينا لما كبرنا، فما أصابها وهن، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: {احفظ الله يحفظك}.

أبو الطيب الطبري أعطى حذاءه للخراز وأخذ حذاء، فأخذها الخراز وكان مشغولاً -عنده أحذية- فأخذ الطابور عنده، فمر به في اليوم الثاني، قال: أعطني حذائي، قال: إن شاء الله غداً، فمر به غداً.

فقال: إن شاء الله غداً، فمر به بعد غد.

فكلما رآه الخراز وضع حذاءه في الماء ليظهر أنه سوف يصلحها، قال أبو الطيب الطبري: يا عم! أنا أعطيتك الحذاء لتصلحها، لا لتعلمها السباحة.

فهذا هو الرجل الذي يقول: هذه أعضاءٌ حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.

وذكر أهل العلم في كتب الحديث وغيرها أبواب الشيب وعدوه من الإنذارات للمؤمن قبل أن يأتيه نذير الموت.

ولذلك قال أهل السير: قام عابد من بني إسرائيل عمره ثمانون سنة، فوقف أمام المرآة فرأى شيبة -وكان هذا الرجل قد أطاع الله أربعين سنة، ثم عصاه أربعين سنة، نعوذ بالله من الخذلان! بعض الناس يصيبه الخذلان بعد أن يستمر في طريق الهداية، ولا يثبِّت ولا يهدي إلا الله تبارك وتعالى- قال: فنظر إلى المرآة، فقال: يا رب! أطعتك أربعين سنة وعصيتك أربعين سنة فهل تقبلني إذا عدت إليك؟ فسمع هاتفاً يقول: أطعتنا فقربناك، وعصيتنا فأمهلناك، فإذا عدت إلينا قبلناك.

وقد يلحق الإنسان الخذلان في آخر عمره -نعوذ بالله من الخذلان- لأسباب سوف أذكرها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>