للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم]

ينبغي على الناس أن يوقروا الشيخ الكبير فيهم، ولذلك قال بعض الصالحين لما حضرته الوفاة: اللهم ارحم شيبتي! فإني سمعت في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {إن الله يستحي أن يعذب شيخاً في الإسلام}.

وذكر الذهبي في ترجمة يحيى بن أكثم؛ وهو أحد العلماء القضاة، وقد تولى القضاء للمأمون، لكن سياسته في القضاء كانت غير محمودة، إنما كان محدثاً صالحاً فيه خير، فلما توفي رؤي في المنام: قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: والذي نفسي بيده! لقد أوقفني بين يديه تبارك وتعالى، ثم قال: وعزتي وجلالي لولا شيبتك لعذبتك بالنار، ثم أدخلني الجنة.

وهذا لا يعني أن الشيخ الكبير له أن يفعل ما يشاء؛ لأن الله يستحي من شيبته، بل معناه: أن الله يستحي منه إذا استحى من الله، وإلا ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم -وفي لفظ: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم- منهم: أشيمطٌ زانٍ} شيخ كبير في السن زانٍ، هذا ليس له عند الله قبول، ولا يكلمه الله يوم العرض الأكبر، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، فشيخ أخذ في عمره ما أخذ، ثم أتى إلى الله فختم صحيفته بالزنا، لا قبول له عند الله: {وملك كذاب} ملك ويكذب لأنه لا داعي له، لأن إنما الإنسان إنما يكذب؛ خوفاً أو رغبة أو رهبة، والملك ليس عنده لا رغبة ولا رهبة، والثالث: {عائل مستكبر} رجل يلصق بطنه بالثرى، وينام على الرصيف، وليس عنده درهم ولا دينار ويتكبر على عباد الله.

يقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: ملوم الغني إذا تكبر، وغير الملك إذا كذب، والشاب إذا زنى؛ لكن هؤلاء لقلة دواعي هذه الأمور فيهم كان عذابهم أشد وأنكى عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

نظر إبراهيم عليه السلام في المرآة فرأى شيبة بيضاء، وكان أول مرة يرى إبراهيم الشيب، فقال: يا رب! ما هذا البياض؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم! قال: "اللهم زدني وقاراً".

قالوا عن الإمام أحمد: كان الإمام أحمد لا يقوم لأحد، لا لملك أو وزير أو سلطان ولا لغني أو وجيه، إلا إذا رأى شيخاً كبيراً شابت لحيته، فإن الإمام أحمد يقوم ويقبله ويعانقه ويجلسه بجانبه.

وإن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وثلاثة يوقرون: السلطان المقسط -أي العادل- وحامل القرآن -أي: طالب العلم العامل بعلمه- والشيخ الكبير، فهؤلاء يوقرون لما أعطاهم الله عزوجل.

ومقصودي من هذا أيها الأحبة: أن نصل إلى مسألة، وهي مسألة حفظ العمر مع الله عزوجل، فإن كثيراً من الناس ذهبت لياليهم من بين أيديهم سدى، وما استغلوها في طاعة؛ فبكوا وندموا غير ساعة مندم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عن المفرطين: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى عنهم: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:٣١] قال أهل العلم في هذه الآية: يقولون: يا ويلتنا على ما ضيعنا في حياتنا من الأوقات الثمينة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>