للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حياة وميلاد المؤمن بتقوى الله]

ومعنى الحياة: هي تقوى الله في القلوب.

كثير من الناس يظن أن معنى الحياة أن يأكل ويشرب، ويتمتع ويركب، ويسكن ويتكلم، وينام ويقوم، إنَّ حصر مفهوم الحياة في هذه الأمور يعني الحياة البهيمية -فالكافر وهو كافر يأكل ويشرب ويتمتع، ويركب ويسكن ويقوم وينام، لكنه كافر- لأن معنى الحياة أن تخرج من الضلالة إلى النور، ومن الغواية إلى الهداية، وأن تنقذ نفسك بتقوى الله من غضب الله، ولذلك يقول عز من قائل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَِيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢] أومن كان ميتاً في شهوته، وفي ضلالته، وفي عمايته، وفي غوايته -يتبع كل ناعق- كمن أحياه الله بالإيمان وبلا إله إلا الله، وشرح صدره لهذا الدين، وجعل له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نوراً وبَصَّره، وعلَّمه كيف يعيش ولماذا يعيش، وإلى أين يسير.

ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: " من اعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي أنزل في كتابه، وأرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" لأن المؤمن يعيش مرتين، أو يولد مرتين، والكافر يموت مرتين، فميلاد المؤمن يوم أتت به أمه يوم عرف الحياة، يوم نزل وأول ما وصل رأسه إلى الأرض، فأتى يبكي من ظلم الحياة ومن غوايتها ومما سوف يواجهه من مصاعب ومن مشاكل، ولذلك يذكر ابن كثير في ترجمة زكريا عليه السلام في البداية:

ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً لمجيئك، فأنقذ نفسك قبل أن تأتيك سكرات الموت وقبل أن يأتيك وعد الله واليوم الموعود وتشتد عليك السكرات، فأنقذ نفسك لتبتسم في تلك الساعة، ولذلك يقول الله عز وجل في هذه الساعة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] ويقول عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:٣٠ - ٣٢] فالحياة كل الحياة أن تحيا بالقرآن وبالإيمان فهذه هي الحياة الثانية أو المولد الثاني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>