للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعريف الصحابة للتقوى]

قيل: يا بن مسعود! ما هو حق تقاة الله؟ قال: [[أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر]] أن يطاع الله فلا يعصى، هذا حق تقواه عز وجل، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، فمن كفر نعمة الله فما اتقى الله، ومن عصى الله فما اتقاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ومن نسيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أنساه الله نفسه، ومستقبله، وولده، وبيته، وأسرته، ومكتبه، ومنصبه في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولذلك يقول عز من قائل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٨١].

وقف أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو -كما يقول ابن كثير - في عهده (بعد موت عثمان) أزهد الناس، وأخشى الناس، وأعلم الناس؛ لأنه تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف على منبر الكوفة، فسئل عن التقوى؟ قال: [[هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] اسمع لكلمات النور وحرارة الإيمان التي بعثها جيل محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس، هي الخوف من الجليل، والجليل هو الله، والعمل بالتنزيل، فالذي يتقي الله ثم لا يعرف ماذا يتقي ولا تكون تقواه على بصيرة من الكتاب والسنة ما اتقى الله.

والرضا بالقليل، ألا تكون الدنيا أكبر همك، بل ترضى منها ما يكفيك؛ كالمسافر إذا أراد سفراً، والاستعداد ليوم الرحيل، هذا هو تعريفها عند علي رضي الله عنه وأرضاه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يسأل عن التقوى، وقبل أن نأتي لسؤال عمر نقف مع عمر وقفة قصيرة:

عمر أحياه الله عز وجل وولد مرة ثانية في الحياة الدنيا، لأنه -كما أسلفت- أن مولد الكافر مولداً واحد، لكن موته مرتين، فـ عمر عاش رضي الله عنه قبل أن يسلم في الجاهلية لم يكن يعرف إلى أين يتجه ولماذا يعيش؟ كما يعيش كثير من الناس اليوم.

كثير من الناس اليوم يعيشون على الطعام والشراب، وعلى المنام والكلام، ولكنهم لا يعرفون معنى الحياة، يظنون أنها كأس، ومتعة، ولهو، وغناء، وطرب، وبعد عن الله عز وجل.

فلما أراد الله أن يحيي قلب عمر رضي الله عنه.

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاك القول العظيم بكتاب الله الكريم، فسمع عمر رضي الله عنه قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢] فاهتز لهذه الكلمات وسقطت كل ذرة من ذرات الشرك من جسمه، وأتى إيماناً كاملاً من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، فذهب ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، وانضم إلى هذا الموكب الكريم الذي يتصل أول سنده بنوح عليه السلام، وآخر السند بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>