للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإعراض عن الله سبب العذاب]

قال: سبحانه في كلمة: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:١٥] تمردوا على شرع الله، والله ما ملأ البيوت هماً وغماً ولا أهلك الشعوب ولا دمر القرى ولا أخزى الفجرة إلا المعاصي، يوم يترك الإنسان منهج الله: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:١٥] قال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا} [سبأ:١٦] ولم يقل فأرسل، قال: فأرسلنا نحن، نحن الذين ملأنا لهم السد من قبل، ونحن الذين نرسل الماء اليوم.

يقول بعض المفسرين: يا عجباً! يا سبحان الله! إن سر حياتهم الماء وسر هدمهم ودمارهم الماء، فقد أتى زلزالهم بالماء، وحياتهم بالأمس بالماء، فالماء بالأمس كان حياة وثمرة، وكان ماء طيباً صافياً، والماء اليوم يوم عصوا وخالفوا منهج الله، أصبح زلزالاً وبركاناً.

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:١٦] لماذا سمي سيل العرم؟ قالوا: أقبل وله عرمرم كالجيش العرمرم، وأقبل وله حتحتة ينزف بعد صلاة الفجر، فلم يبرق بارق، فما أخبرهم الله بالبرق ولا بالوسم، ولا سمعوا رعداً ولا نزل عليهم قطر، لما انتهوا من الصباح وأطل عليهم الصباح وأمهلهم الله ثلاثة أيام يراجعون حسابهم مع الله، لكن ما راجعوا حسابهم، قال الله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

فأتى في الصباح ينزف، يحمل الجبال والأودية والشجر، فدمرهم تدميراً: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:١٦] لماذا؟ {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} [سبأ:١٧] لأنهم أعرضوا وما صلوا وما صاموا وما زكوا وما قاموا على منهج الله وما خافوا الله.

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:١٧] كَفور النعم، كَفور الآيادي، جاحد المعروف، ويستمر السياق، واسمحوا لي أن أستمر دقيقتين أو ثلاثاً مع سبأ ثم نعود من اليمن معاً.

قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سبأ:١٩] لماذا؟ لأن، الفقير العاجز الذي يطلب الكسب، إذا أتاهم وقت نزول الثمرة يأخذ القليل من رزق الله عز وجل، فتضايقوا منه، فكلما أتاهم الفقراء من أنحاء الجزيرة، قالوا يا ربنا! باعد بن أسفارنا حتى لا يأتينا أحد من العرب، اللهم اجعل قرانا بعيدة وباعد بيننا وبين هؤلاء الفقراء فلا نراهم ولا يروننا، قال سبحانه: لمن الرزق؟

الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عارية والعمر رحال

المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال

الرزق والعطاء والفضل والنعيم لله، قال سبحانه: بلسان الحال، تمنعوا الفقراء وأنا الذي أعطيكم حتى أصبحتم أغنياء.

قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ:١٩] يقول: ما أبقينا إلا أحاديث، الليلة نسمر عليهم فأين هم؟

أين من شادوا وسادوا وبنوا ذهب الكل فلم تغن القلل

كتب الموت على الخلق فكم فل من جيش وأفنى من دول

سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨].

{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:١٩] ربع ذهبوا إلى الجنوب وهم أجدادنا فنحن من الأزد، أبناء عمومتنا الأوس والخزرج الذين منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، ولذلك ليس بغريب عليكم أن تأتوا اليوم لتسمعوا فاعلم أنه لا إله إلا الله، ومن يشابه أبه فما ظلم.

تلك العصا من هذه العصية لا تلد الحية إلا حية

والربع الثاني: ذهب إلى عمان، والثالث: الغساسنة، والرابع: المناذرة، ولكن لا نكون كأجدادنا نكفر بنعم الله: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:١٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>