للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللباس وحسن المقصد]

المسألة التاسعة: لبس المقاصد.

هناك من يلبس المقاصد وهو مأجور، وإنما الأعمال بالنيات، والله سبحانه وتعالى أعلم بنيتك، فإن كنت تلبس اللباس الجميل لتظهر جمال الإسلام، وجمال العلم والدعوة، فأنت مأجور مشكور وإن كنت تلبس الداني الرخيص المتبذل تواضعاً لله واحتساباً عند الله، فأنت مأجور مشكور.

الكل يعرف علي بن أبي طالب، ولا ينكره أحد، والمعارف لا تعرَّف

بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر

قلن تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر

دخل وتولى الخلافة أربع سنوات وقيل خمس، والخمس أولى، نزل الكوفة وعليه ثوب بأربعة دراهم، قطعه من أنصاف ساقيه، وركب الحمار وجعل أرجله الاثنتين على جنب الحمار، ثم دخل فلما رآه الناس قاموا، فقال: [[أنا أبو الحسن، أهنت الدنيا أهانها الله]].

وعمر بن الخطاب لبس برداً مرقعاً فيه أربع عشرة رقعة، وكان يصلي به في الناس رضي الله عنه وأرضاه، ولا بأس أن نعيد قصة طالما أعدناها، لكن علها أن تقف في القلوب شواهد، وفي الأذهان دلائل، وفي البصائر معالم.

أتى رسول كسرى من بلاد فارس ليفاوض عمر بن الخطاب، فلما دخل المدينة سأل عن عمر، فلم يجده في بيته، فذهب إلى المسجد فلم يجده، قال: أين بيت الخليفة؟ قالوا: هذا البيت.

قال: ليس بصحيح، أين حرسه؟ قالوا: لا حرس له، قال: أين دنياه؟ قالوا: لا دنيا له.

قال: أين أجده؟ قالوا: أبحث عنه.

فذهب الصحابة يبحثون عنه، فمروا بشجرة في ضاحية من ضواحي المدينة، وإذا بـ عمر نائم تحت الشجرة ضحى، درته التي يخرج بها وسواس الشيطان من الرءوس عند رأسه -أي إنسان عنده وسوسة في رأسه، فإنه يزيلها إما بدرته، وإن لم ينفع فيستخدم سيفاً أملح- فلما رآه قال: هذا الخليفة؟ قالوا: هذا الخليفة.

وإذا ثيابه ممزقه، عليه برد ممزق مرقع، فأخذ يرتجف الوزير الفارسي، وذهل.

وقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.

فقام عمر فذهل الرجل أكثر وأكثر، وأخذ يفاوضه، فكاد يجن الرجل من عقل عمر، ومن تفوقه وذكائه.

قال حافظ إبراهيم:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عقلاً وهو راعيها

رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها

فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها

فقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها

أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها

ذكر الغزالي أن عيسى بن مريم عليه السلام أخذ حجراً ينام عليه -وسادة- فقد كان من أزهد الناس عيسى عليه السلام، يلبس الصوف، وينام ومخدته الحجارة، وفراشه التراب ولحافه السماء فقال له الشيطان: يا عيسى بن مريم! أما تركت الدنيا وطلقتها؟ قال: نعم.

قال: فما بالك تتوسد منها؟ قال: فرمى بالحجر وتوسد ذراعه.

والعهدة على حجة الإسلام محمد بن محمد أبي حامد الغزالي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>