للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضرب الأمثال في القرآن الكريم]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أشهد أن الله حق, وأن النبيين حق, وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، وأشهد أن النبي خاتم، وأن الدين خالد، وأن الكفر خاسر.

أيها الناس! تعنت العقل البشري أمام الوحي، وخاصم الإنسان الفاجر ربه، واعترض العقل على خالقه، واليوم معنا صورة من اعتراض البشر الضعفاء على الله، ومعنا سورة البقرة، وإن شئت سمها عقدة البقرة, التي تعقد فيها بنو إسرائيل، واضطربوا وسألوا، وناقشوا وشددوا؛ فشدد الله عليهم.

كان يقرأ عليه الصلاة والسلام هذه السور؛ سورة النحل والنحلة حشرة، وسورة النمل والنملة حشرة، وسورة البقرة والبقرة حيوان، وسورة العنكبوت وهي حشرة، فقال كفار قريش: محمد يستهزئ بكم، يأتينا بقرآن ويقول: هو وحي.

وهو يتكلم عن عالم الحيوانات والعجماوات، وعن عالم الطيور والحشرات، فما دخل الطير والبقر والنحل، والكلاب والحمير بهذا الوحي، فرد الله عليهم بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:٢٦] فالذي خلق البعوضة هو الله، والذي خلق الفيل هو الله، والذي صور البقرة هو الله، والذي ركب الحمار هو الله، قال ابن القيم: " وفي الناس على ضروب أشباههم شبه من الحيوانات " ففي الناس من طبيعته كطبيعة الخنزير تماماً لا يقع إلا على القاذورات, يسمع المحاسن ويسمع الجميل فكأنه ما سمع، فلا يلقط إلا الخطأ والعثرة، قال ابن تيمية: " في الناس كأمثال الذباب كثير, لا يقع إلا على الجرح أما على الجسم السليم فلا يقع " فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} [البقرة:٢٦] ومن يمنعه أن يضرب الأمثال؟ {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٢٦] أي: أما حملة (إياك نعبد وإياك نستعين) , أما المتوضئون ورواد لا إله إلا الله {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة:٢٦] ثم يضرب الله قصة البقرة, ويسمي أكبر سورة في القرآن باسم البقرة, فتعرف بين الناس من أجل خمس آيات فيها بهذا الإسم، فلا يعرف المسلمون هذه السورة إلا بسورة البقرة، وثلث السورة نسف وإبادة لبني إسرائيل، وثلثها أحكام شرعية وقواعد منطقية وعقلية يفهمها اللبيب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>