للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة أبي مسلم الخولاني]

ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم: أن أبا مسلم الخولاني كان لا يفتر لسانه من ذكر الله، دخل على معاوية، وهو يتمتم بالذكر، فقال معاوية: أجنون هذا يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية.

حنون إلى رضوان الله، حنون إلى عطاء الله، حنون إلى الاتصال بالله.

والذهبي يذكر عن أبي مسلم هذا الذاكر، أن له قصة عجيبة كادت تودي بحياته، لكن الله حفظه يوم أكثر من الذكر، يوم أكثر من الاتصال بالله، ذلك أن أبا مسلم دخل على الأسود العنسي الكذاب الدجال في اليمن الذي ادعى النبوة في صنعاء، فقال له الأسود: هل تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: هل تشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع شيئاً، فأعاد عليه الكلام، فأعاد عليه الجواب، فجمع له حطباً وأجّجه، فلما صارت ناراً عظيمةً ذات سعير، قال لجنوده: ألقوه في النار، فأخذوه بتلابيب ثيابه وأكتافه ومجامع جسمه، فلما حملوه في الهواء تذكر الواحد الأحد، تذكر الركن.

فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني

وعدى الظلوم عليَّ كي يجتاحني فنصرتني

فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني

قال وهو في الجو: حسبي الله ونعم الوكيل، وهي كلمة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، وكلمة محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣] فلمَّا وقع في النار، حولها الله برداً وسلاماً، وذلك في خلافة أبي بكر الصديق، وارتحل من اليمن واستقبله الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وعمر والصحابة، وقال عمر: [[مرحباًَ بالذي جعله الله في أمة محمد كالخليل إبراهيم عليه السلام]] وما ذلك إلا لكثرة اتصاله وذكره للواحد الأحد.

أيها الناس! أوصيكم ونفسي بكثرة الذكر، فإن فوائده جليلة أوصلها ابن القيم إلى ما يقارب الثمانين، وقال: لا يأتي الحصر عليها منها: طرد الشيطان، وإرضاء الرحمن، وإذهاب الوسواس، والرضا بمقدور الله، والاطمئنان إلى الله، والقضاء على الفراغ، والهم والغم والحزن، وجمع الجهد، والقوة، والنظرة، والمهابة، والحلاوة، والطلاوة، والملاحة التي يكسبها الله العبد، والأجور الحاصلة، وتكفير السيئات، ومن أعظمها أن يسكن القلب إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

أيها الناس! اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم وفي بيوتكم، وفي طرقاتكم ومراكبكم وسياراتكم، وفي مكاتبكم، اتصلوا به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى يصل من وصله، ويهدي من استهداه، ويرزق من استرزقه، توبوا إليه، وأنيبوا إليه، والجئوا إليه.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الذاكرين الله كثيراً، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>