للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفائدة الحادية عشرة: الثبات على المبادئ]

الشيخ عبد الله بن حميد يذكرنا بفائدة جليلة، وهي فضل الثبات على المبادئ الأصيلة، والمبادئ الجليلة، والمبادئ الأصيلة في هذا الدين من طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يثمر عاقبتها عفواً وخيراً، فهذا الرجل لما قدمت له عروض تافهة سافلة رخيصة من الدنيا وعرض الدنيا ما باع ذمته ولا باع دينه وشرفه، بل بقي على مبدئه، بقدر ما تحمل من الجفاء واللوعة والأسى والفرقة، فكيف أبدله الله عز وجل عزاً في الدنيا والآخرة، وأكسبه التوبة ورفع رأسه، وشرح صدره.

ولذلك من قدم عرض الدنيا على الدين، سلب الله عليه الدنيا والآخرة، أحد العلماء من بني إسرائيل اسمه: بلعام بن باعوراء تناسب هذه القصة، أسلم وكان مع موسى عليه السلام، وحفَظَّه الله ما شاء من العلم، فقدمت له بعض الأعراض الدنيوية ليرتد عن بعض مبادئه الأصيلة الجليلة القويمة، فارتد فمسخه الله عز وجل، وأخزاه وأذله، ونزع بركة العلم ونور العلم منه، وقال فيه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].

وابن تيمية دخل على أحد السلاطين في دمشق فقال له السلطان: يا ابن تيمية! يقول الناس: إنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية بقوة وشجاعة وقال: والله ما ملكك وملك أجدادك وآبائك يساوي عندي فلساً.

مطلب ابن تيمية أكبر من هذا كله، وأكبر من الدنيا ومن ذهبها، رضا الله عز وجل، وجنة عرضها السماوات والأرض:

خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا

فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

هذا القاضي الجزائري.

وهذا واجب المؤمن حتى يقول ربعي بن عامر لما قال له رستم: أتريدون شيئاً من المال، فإنا كنا نعطيكم بعض الأموال فتعودون عنا من أطراف الجزيرة، فكأنها تأخرت عنكم النفقة هذا العام فأتيتم تطلبونا؟

قال: لا.

إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

محمود بن سبكتكين، قائد سلجوقي كبير صائم مصلي، من أزهد وأعبد السلاطين، كان يملك ملكاً لا يملكه إلا القليل من ملوك الإسلام، كان في الشمال وكان له جيش جراراً، أتدرون كم جيشه؟

يقول بعض المؤرخين: وصل إلى مليون (ألف ألف).

ففي جيشه مليون شهم كـ عنتر، وأمضى وفي خزانه ألف حاتم

هذا محمود بن سبكتكين، قام عليه أحد العلماء يعظه في يوم مهرجان ويوم انتصار، فوعظه فبكى السلطان محمود حتى سقط على وجهه في الأرض، دخل بلاد الهند ففتحها، واجتاح ألف صنم، وكل صنم طوله كالسارية، منصوب كله ذهب، فأتى ملك الهند فقال: يا محمود بن سبكتكين! لا تقاتلنا ولا نقاتلك، خذ هذا الألف الصنم لك وعد عن ديارنا ونحن نعطيك الجزية في كل عام، قال محمود سبكتكين: تريد أن يدعوني الله يا بائع الأصنام، والله لأحرقنها ولأكسرنها، ليدعوني الله يوم القيامة يا مكسر الأصنام، فأتى على الأصنام فأحرقها وكسرها، فيقول محمد إقبال لأنه من جماعته، هذا باكستاني وذاك سلجوقي:

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاًَ وصاغ الحلي والدينارا

محمود مثل إياز قاما كلاهما لك بالعبادة تائباً مستغفرا

العبد والمولى على قدم التقى فارحم بوجهك عبد سوء في الثرى

والمقصود: أن الدنيا هينة، وأن مطلب المسلم أعظم من ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>