للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الهداية والمخاوف]

هل الهداية سبب للمخاوف؟ هل يمكن أن تكون هدايتك سبيلاً للخوف، وسبباً لأن تعلق به التهم وأن تكون متزمتاً في نظر الناس كان وهو فاجر وفاسق عبداً للأغنية، وعبداً للسيجارة والبلوت، وكان في أمنٍ، وكان حسن الخلق، فلما استقام وقصر ثوبه واهتدى وسجد لله وأعفى لحيته وأحب الله ورسوله أصبح متزمتاً ومتطرفاً في نظركم، فما لكم كيف تحكمون؟!! إن هذا القول يشبه ما قاله أبو جهل وأمثاله: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:٥٧] لا إله إلا الله حجة واهية يضحك الإنسان منها، يقول أبو جهل وأبو لهب: نحن لو اتبعناك تخطفنا من أرضنا وأهلكتنا العرب، وأصبحنا حرباً للناس، فاسمع الرد العجيب: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧].

نحن أمناهم في الجاهلية فكيف في الإسلام؟! نحن طردنا عنهم أبرهة الأشرم وسلطنا عليه طيراً أبابيل في وادي محسر مع فيله وجيشه، وعاد خاسئاًَ حقيراً!! نحن حاربنا جيوش العالم من أجل الحرم، فلما أتيت أنت بلا إله إلا الله، قالوا: نخاف إذا اتبعناك أن نتخطف، ما تخطفوا في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟! {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص:٥٧].

وما حول الحرم جبال سود لا حدائق ولا بساتين ولا مزارع ولا أنهار ولا أشجار ولا أزهار ولا ورود، حتى إبراهيم عليه السلام لما ترك زوجته وولده، التفت وإذا الصخور وهي سوداء مثل الليل، والحرارة متوهجة، لا ماء ولا شجر، ولا مدر فالتفت فرفع يديه، وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].

الآن ألوف مؤلفة في الحرم ما اشتكى أحدٌ منهم أنه ما وجد رطباً في السوق، أو تفاحاً أو برتقالاً أو موزاً، الأرزاق تأتي من كل أنحاء الأرض، تأتي من المشرق والمغرب ومن أوروبا وأمريكا ومن كل بلاد العالم طازجةً وجاهزةً ومثلجة وحارةً وباردة؛ لأن إبراهيم دعا!! يا خسارة على هذه العقول! ويا خسارة على هذا الأبصار!! {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} [القصص:٥٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>