للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تناسب أحوالهم]

أبدأ بعبادته صلى الله عليه وسلم: فمن ضوابط عبادته صلى الله عليه وسلم التربوية، أنها كانت تناسب الأحوال، وكان يفتي بذلك، ولابد أن تكون عبادتك الحالية تناسب ذلك، وهذه فاتتنا فترى بعض الناس في هذه الصحوة المباركة لا يواكب ظرفه ولا حاله بعبادته، مثل أن تجد مهندساً تخصصه الهندسة، وبإمكانه أن ينصر الإسلام عن طريق الهندسة، فيترك تخصصه ويريد أن يكون مفتياً للناس، وهذا صاحب الشريعة منذ أن ولدته أمه وهو يقرأ أبواب الفتيا، فأتى هذا المهندس فزاحمه على الفتيا، يا فلان أنت تخصصك تخطيط معماري في كلية الهندسة، اتركنا نفتي، قال: لا.

الفتيا لها فرسان، وأنا من فرسان الفتيا، ويأتي الطبيب فيترك عيادته، ويريد أن يكون خطيباً مسقعاً من خطباء الدنيا، فيمسك المنبر ويقول: أنا أولى الناس بالخطابة، ولا يدري أن للخطابة أناساً تفرغوا لها، ونصروا الإسلام من هذا الجانب، وأنت انصر الإسلام من جانب الطب، أو تجد إنساناً يترك عمله ويأتي فيتنفل، يدخل في غرفة فيتنفل نوافل طويلة ويقرأ القرآن، فيقال له: مالك؟ يقول: قراءة القرآن أفضل من هذا العمل، لكنك أنت في عملك عابد لله ولا يعفيك خروجك للصلاة النافلة من عملك إلا في حد منضبط، فإنك تأخذ راتباً ودخلاً على هذا العمل، فلماذا تتركه؟

وكذلك لو أن رجلاً نفع الله به في جانب التدريس فيقول: لا بد أن أذهب إلى الجهاد الأفغاني، فيترك التدريس والفائدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ذهب إلى مكان الجهاد أصبح جندياً لكنه في حال التدريس كان في مقام ألف واحد، وأنا لا أقصد التثبيط عن الجهاد الأفغاني أو غيره من جهاد المسلمين، لكن معالم يلمحها كل إنسان، لابد من إعطاء الإنسان قدره وحجمه، لأن كلاً ميسر لما خلق له.

وبعضهم يدرس إلى المستوى الخامس في الطب ثم يأتي ويبدأ من أولى في أصول الدين، فيضيع خمس سنوات، فيقال له: مالك؟ يقول: أريد أن أنصر الإسلام من هذا الطريق، أما ذلك علم لا يستنفع به!! لا.

أراد الله عز وجل يوم بدأت أن تكون في هذا الجانب، ولعلك تنصر الدين في هذا الجانب، والرسول عليه الصلاة والسلام قبل التخصصات، فما تجد صحابياً إلا وبإمكانك أن تصنفه في تخصص، أتظن أن خالد بن الوليد كان يعرف تفاصيل تقسيم الفرائض، قد يكون لا يدري، ونحن لا نتهمه بالجهل، بل هو من أذكى عباد الله ويكفيه تلك الوقفات العظيمة في الإسلام، غفر الله له ورفع الله منزلة أبي سليمان.

فإن خالداً كان مشغولاً بأعظم من الفرائض، حتى يقول بعضهم -من باب المزاح- أما خالد فيفصل الرءوس عن الأكتاف، فإذا ذبحهم قسم زيد بن ثابت الفرائض، فقسمه هو قسم العسكرية، فهو قائد عسكري، يعرف كيف يفصل الرءوس عن الأكتاف، وبهذا صنفه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقل لـ خالد: خالد أعظم فرضي، ولا قال: اطلبوا القرآن من خالد، ولا أعلمكم بالحلال والحرام خالد، لكنه قال على المنبر: أما خالد فسيف من سيوف الله سله على المشركين، فهذا معلم لـ خالد يعرف به بين الناس، تخصصه أن يدخل الجنة بالسيف، يدخل الجنة بما قدم لله من قربان، وبما فلق في سبيل الله من هامات.

رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصب

وزيد بن ثابت ماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ لم يوله قيادةً عسكرية؛ لأن مؤهلاته وتيسير الله له لم يكن عسكرياً، صحيح أنه كان يجاهد في المعركة، لكن ما كان يملك إقدام وحنكة خالد واستكشافه وصرامته، يقول صلى الله عليه وسلم: {أفرضكم زيد} فكان الصحابة إذا أعضلت مسألة في المناسخات أحالوها إلى زيد بن ثابت.

وحسان بن ثابت يؤثر عنه أنه ما كان يخوض غمار المبارزة، لكن تعال إليه، يتقدم صلى الله عليه وسلم إليه ويقدم له المنبر -في هذا درس- ويقدم إليه المنبر بيديه الشريفة ويصعد حسان على المنبر ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اهجهم وروح القدس معك} ولذلك أما ترى شباب الصحوة ماذا يفعلون اليوم؟

أحدهم أديب يريد أن ينصر الإسلام بالقصائد وهذا مطلوب، لأنا دُخلنا في ديننا -بواسطة الحداثة المتزندقة الملحدة التي أخذت من لينين واستالين معاني لرجسها وكفرها في الساحة، فنحن بحاجة إلى طاقم من الشعراء يبيدون هذا؛ لأن أمتنا تعيش على الشعر، وتجد كتبه فغفر الله لهم وأثابهم الله.

فقد بدءوا يكتبون، وما أحسن جمال أسلوبهم وعباراتهم القوية وهم يكتبون في الصحف بإيمان؛ ليأخذوا منزلهم الطبيعي، ويقولون لغيرهم: لا مكان لكم هنا فاخرجوا من هذه الأماكن.

فكان صلى الله عليه وسلم يؤهل أصحابه المؤهلات الخاصة بهم، فرجل الإدارة أبو بكر، وتدوين الدواوين وتجنيد الجنود عمر، والحياء والبذل عثمان، والخطابة والإقدام علي، وقد علم كل أناس مشربهم، وهذه قاعدة معروفة لا تخفى عليكم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>