للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الاعتذار كذباً

ومن علامات المنافقين: الاعتذار كذباً, قال أحدهم: ائذن لي يا رسول الله ولا تفتني؟ يوم قال الرسول صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس: اخرج جاهد معنا؟ قال: أنا يا رسول الله رجل أخاف على سمعي وبصري, الله أكبر ما أتقاه! تقوى مثل ما قال ابن تيمية: الورع البارد, بعض الناس، إذا اغتبت فرعون, قال: أستغفر الله، لا تغتاب الصالحين, وإذا ذكرت إبليس, قال: أما أنا فلا أتكلم في أولياء الله بشيء! ومثلما قال ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين , يقول: إن رجلاً ذكُر عنده فرعون، فقال: أحمي سمعي وبصري من التكلم في أنبياء الله, يظن أن فرعون من أنبياء الله, قال: وهذا يسمى ورع بارد.

ولذلك قال: يا رسول الله! أنا رجل إذا رأيت النساء لا أصبر, فصدّق عليه الصلاة والسلام وأخذ ظاهره, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيه يكذبه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي} [التوبة:٤٩] أي: النساء {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:٤٩] ترك الجهاد ووقع في الفتنة, فرّ من الموت وفي الموت وقع: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:٤٩] هذا الجد بن قيس أتى في الحديبية فضاع جمله, قالوا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: والله لئن أجد جملي الأحمر أحسن لي من أن يستغفر لي محمد، قالوا: تعال يستغفر لك؟! يلوي رأسه كذا , فنقل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الصورة والحديث حيث قال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون:٥ - ٦] , أبداً كتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يغفر لهم, والعدد لا مفهوم له في القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:٨٠] , والرسول صلى الله عليه وسلم فهم منها أنه ولو أكثر من السبعين, ولو فهم منها العدد لاستغفر إحدى وسبعين مرة وغفر الله له, لكنه قال: {والذي نفسي بيده! لو أعلم أن الله يغفر لهم بعد السبعين لاستغفرت لهم} فعلامتهم أنهم يعتذرون بالكذب في الظاهر, لذلك تقول لهم: لماذا لم تصل معنا صلاة الفجر يا فلان؟!

قال: والله إني مريض ما رفعت جنبي إلا ما رفعه الله, ويعلم الله أنه بات في نعمة وصحة وعافية!

وفي منطقة من المناطق يقولون: هناك رجل أحمق, وكان إمام المسجد حريصاً على الخير، يحضر الناس كل صباح بعد أن يسلم الناس، يا فلان؟ حاضر! يا فلان؟ حاضر! فإذا غاب رجل كتب على اسمه وسأله, والرجل الأحمق يحضر كل وقت إلا يوم الجمعة يظن أنهم لا يحضرون؛ فترك الصلاة في فجر الجمعة, يقول جيرانه: الإمام لا يحضر صباح يوم الجمعة، يسافر عند أهله في القرية, فيسافر إليهم ويبيت عندهم, فيحضرنا كل الأيام إلا صباح الجمعة, فترك الصلاة يوم الجمعة وصلّى في البيت, ولقيه الإمام ضحى, قال: أين أنت عنا؟ بحثنا عنك اليوم! قال: والله فلان قال لي: أنك لن تصلي معنا الفجر؟ -فجعل الصلاة من أجل هذا الإمام, والله المستعان! - وأخبرني فلان وهو ثقة أنك لا تصلي فجر الجمعة! فظننت أنك ما صليت!! ما شاء الله، عذر أقبح من ذنب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>