للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وصول شؤم المعصية إلى الغير]

ومن آثارها: وصول شؤم المعصية إلى غيره بذنبه.

المعصية أمرها عجيب! تصل أضرارها مثل القنبلة الذرية، تقع هنا وتنتشر في المدن والقرى، مثل قنبلة هيروشيما، يقولون: لا زالت آثارها إلى الآن، وهناك مذكرات وصور عن أطفال مشوهين لا زالت تجري مع الماء، وهذا المفاعل النووي الروسي لما انفجر حذر الناس منه حتى في استراليا، وقالوا: الجو تعكر وأصبح سماً زعافاً، والفواكه والألبان والخضروات، حتى الصحف أصبحت تحذر من أن تصدر بسبب هذه الجريمة.

والمعصية مثل ذلك، فلا يزال العبد يعصي الله حتى تنتقل إلى ولده وزوجته، وفي أثر يقول الله: {إني إذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية، وإني إذا غضبت لعنت وإن لعنتي لتبلغ السابع من الولد} بل تجد العاصي يلتف حوله عصاة ويوجد له خلايا في المجتمع وأصدقاء فيقعون في المعاصي.

ووجد من بعض الشباب أنه كان يحمل سيجارة ويدخن، فأخذ شباباً من الحي وصاحبهم وأركبهم حتى أصبحوا مدخنين عن بكرة أبيهم وتركوا المسجد، فهذا من آثار شؤم هذا الرجل.

ووجد من بعض الصالحين من سار صلاحه في القرية حتى حمى الله به بعض القرى، فهذا رجل في القصيم حدثنا عنه بعض العلماء: أنه كان يذكر الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وكان له أوراد هائلة من التسابيح والحصون التي يستخدمها ابن تيمية وأمثاله بعد صلاة الفجر، كان ابن تيمية يستقبل القبلة بعد الفجر فيهلل الله ويكبره، ويردد الفاتحة والأدعية والأذكار، ويبتهل ويدعو الله، فيقولون: ما لك تطول؟ قال: هذه غدوتي لو لم أتغد لسقطت قواي.

وهذه معاني روحية مثل الجبال، وحصن حصين بينه وبين المعاصي، يقول أهل العلم: استقبل يومك بالدعاء.

كان هذا الرجل في القصيم، فأصاب القصيم مرض الجدري، وذلك قبل أربعين سنة أو ما يقاربها، فكان يقوم بعد صلاة الفجر في بلدته من ضواحي القصيم، فيدور على البلدة جميعاً ويقرأ عليها: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

وينفث على القرية ببساتينها ونخيلها وأطفالها، ويقرأ آية الكرسي والمعوذات كل صباح، فقيل لي: والله! لا نعلم بلداً ولا قرية إلا دخلها الجدري، إلا مكان هذا الرجل، والله ما أصيب ولا طفل واحد بهذا المرض.

لماذا؟

إنه حفظ الله للرجل الصالح، حتى يقول ابن القيم: الله يحفظ الصالح في ديرته وحيه وقريته.

ونحن في أبها يمكن أن يحفظنا الله ببعض الصالحين الصائمين قوَّام الليل، وإلا لو تركنا ومعاصينا وفجورنا وإعراضنا لتدكدكت بنا الدنيا.

تزلزلت المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه زلزلة بسيطة سقطت منها بعض الحوائط، فقام رضي الله عنه فقال: الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر وقال: ما هذا الزلزال؟ -هو يدري أنه بقضاء وقدر- قالوا: يا أمير المؤمنين! بقضاء وقدر.

قال: أخبروني ما هذا الزلزال؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: بسبب ماذا؟ قالوا: بسبب ذنوبنا.

فقال: والذي نفسي بيده إن عاد هذا الزلزال لا أجاوركم بـ المدينة بعدها.

يقول: أنتم السبب في هذا الزلزال، ولو عاد مرة ثانية فلا يمكن أن أبقى معكم.

وهو لا يزكي نفسه لكنه يعلم أن هناك ذنوباً وخطايا، وهي مدرسة الوعظ المنهجية، يدخل معهم في المعمل ويقول: هذا زلزال وأثره الذنوب والخطايا.

والآن أصبح الناس الكفرة مثل الحمير، فيرى الحمار الزلزال فيعرف أنه زلزال، ويرى الريح تمر والبرق والرعد والمطر فيعرف أنه مطر لكن ما يعرف ما هي أسبابه.

خسف بمدينة في بلاد المغرب وبأهلها وقصورها ودورها وفنادقها، فقالوا: لأن الغطاء الصخري ارتخت بينه الدرجات فانصدع فهوت المدينة.

نحن نعرف هذا، لكن من قدر انصداع الغطاء الصخري ومن أتى به إلا الله؟!

وكذلك مدينة ذمار في أرض اليمن ذهبت حيص بيص -كما تعرفون- بسبب ماذا؟ بسبب المعاصي، لكنهم قالوا: لأنها تقع في شبه الجزيرة، وغطاء الجزيرة الخارجي الأرضي الترابي غطاء رقيق يتعرض دائماً للهزات.

من الذي هزها إلا الواحد الأحد؟

وهذه التعليلات صحيحة، لكن من المعلل والمسبب والمقدر إلا الله الواحد الأحد؟

الطوفان الذي أرسل على قوم نوح هو مثل ما يأتي في البحر، أن يتبخر بالشمس فيحدث فيه طوفان ومطر، وكذلك الريح وكذلك البرق والصاعقة والزلزلة وما أشبهها، لكن بسبب الذنوب والمعاصي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>