للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو ذر في خلافة عثمان]

تولى عثمان رضي الله عنه، وقام أبو ذر يناشد الناس بألا يدخروا الأموال، وهو رأي خطأ، وكلما أتى إلى مجلس في المسجد صاح فيه، وصاح في التجار، وفي السوق، فأراد عثمان رضي الله عنه أن يسيره للشام ليْعلِّم الناس، ولتهدأ المدينة نسبياً، فذهب إلى الشام، فجلس في المجالس في الشام يقول: لا تكنزوا، وكلما رأى منكراً عدا عليه، وعنده سكين كلما رأى جرة خمر في دمشق شقها، وكلما رأى نصرانياً لا يتقيد بأحكام الإسلام ضربه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك حاجة في الشام، فخذ أبا ذر إليك، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن تعال.

فأتى فدخل على عثمان، فلما أجلسه شاوره الصحابة، فقال أبو ذر: يا أمير المؤمنين -يقصد عثمان - إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي: {إذا بلغ البناء سلعاً، فاخرج منها} سلع جبل في المدينة - يقول: إذا امتدت البيوت والسكنى إلى سلع فاخرج من المدينة، قد تغير الحال، حتى تبقى صافياً نقياً طاهراً، وأنا خارج، قال: اذهب، فأخذ غنمه، وأخذ خيمته، وأخذ زوجته، وذهب إلى الربذة على ثلاثة أميال من المدينة، فنصب خيمته هناك.

لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا

كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى

واتركوني أذوب في كل قلبٍ أغرس الحب في حناياه غرسا

أجتلي كل روضةٍ بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا

هذه خيمتي وهذا نشيدي ونشيدي الرياح لحناً وهمسا

إلى آخر ما قال.

ذهب إلى الربذة وكان يأتي عند الجمرات في الحج فيعظ الناس، فيقول له أحد الناس: لا تتكلم، أمير المؤمنين ينهاك، فيقول أبو ذر، وهي في صحيح البخاري: [[أأنت رقيب علي؟!

والله لو وضعتم الصمصام على هذه وظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجهزوا على لأنقذتها]] يقول: والله لو وضعتم السيف على هذه، وبقي عندي كلمة من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لأطلقتها، يقول: لا تخوفني بالموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بايعه ألا يخاف في الله لومة لائم، وجلس في الربذة، وكان يزوره الصحابة هناك، وكان يأتي أحياناً يحضر صلاة الجمعة أحياناً، وأحياناً يزور عثمان.

وعند الذهبي في السير أن ابن عباس كان حارساً على باب عثمان رضي الله عنه، فإذا أبو ذر يستأذن، وكان الناس يخافون من أبي ذر فهو ساطٍ قوي حار.

فطرق الباب، فقال: من؟ قال: أبو ذر.

قال ابن عباس لـ عثمان، والصحابة جلوس: أبو ذر يستأذن، قال: ائذن له إن شئت أن تحزننا هذه الليلة، وتهممنا وتبرح بنا، وهذه موجود في السير، يقول: إن شئت أن تدخل علينا الهم هذا اليوم، لأن هناك تجاراً جالسون، وسوف يهاجمهم، وهناك أناس ما عدلوا سوف يخاصمهم، وهو يعطي كل إنسان حقه، قال: إن شئت أن تهممنا هذا اليوم فائذن له، لكن الله المستعان يرد أبا ذر، ائذن له، فدخل ومعه العصا.

- سلام عليكم.

- وعليكم السلام.

- تفضل.

- جلس، سكت المجلس، وبدأ عثمان رضي الله عنه يتكلم في مسألة فرضية مالها علاقة بالتجارة ولا بالصناعة ولا بالزراعة ولا بالبلديات، قال: ما رأيك يا كعب -هذا كعب الأحبار يقسم فرائض- ما رأيك يا كعب في عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، مات وترك مالاً، ما رأيك في هذا المال؟

أتى كعب الآن يقسم، وهو صحيح، قال: تقضى ديونه، وتقسم في ورثته، فقام أبو ذر: فضربه في رأسه -هكذا في السير، وهي والله موجودة بنصها في السير المجلد الثاني- فضربه في رأسه بالعصا، قال: تضلل الناس، لا بل يوزعه في الناس.

على مبدأ الاشتراكية، وأجله الله، وأعزه الله عن الاشتراكية، ورفعه الله وكرمه.

لكن دخل منها استالين فيقول: لا بل يوزع كله، قال عثمان: هذا ما تحرينا منك منذ اليوم، يعني هذا الذي انتظرناك، وبدأ يحاج رضي الله عنه، ويقول: كذا وكذا وكذا، كلما تكلم أحد قام أبو ذر، يرد عليه، وفي الأخير هدأ عثمان رضي الله عنه المسألة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>