للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حث الرسول عليه الصلاة والسلام على الجهاد]

عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات، ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} رواه مسلم.

ومعنى الحديث: من مات ولم تخالجه نية الجهاد، ولم يعزم على أن يجاهد، ولم يحدث نفسه مرة من المرات، ولم يزاول حركة الجهاد، ولم يغز بماله، أو بنفسه، مات على شعبة من النفاق، يلقى الله وفي قلبه، وعمله، وميزانه شعبة من شعب النفاق، فليحذر العبد، وليجاهد بلسانه وبسنانه كما سوف يأتي في الحديث، وليجاهد بكلمته، وبقلمه، وبماله، فهو الجهاد العظيم.

قال أهل العلم في قوله: {من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} قالوا: هي مرحلتان:

الأولى: مرحلة الغزو المباشرة.

الثانية: مرحلة التحديث.

والتحديث معناها: مزاولة النية، واستثارة القلب من أجل التصميم على الجهاد إذا سنحت الفرصة، حتى إن بعض أهل العلم كان يصعد الجبال في الصباح، ويتدرب على حمل السلاح، فقيل له: لم ذلك؟ قال: أتهيأ للجهاد في سبيل الله.

وفي سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه صعد جبل كسروان، ونزل هابطاً، فقيل له في ذلك، قال: أتهيأ للغزو في سبيل الله.

وعن أنس رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وهو حديث صحيح.

جاهد بماله ونفسه، فهو بأعلى المنازل، وقد أرسل ماله، وقد قدم الله المال على النفس؛ لأنه يتيسر أكثر، والنفس وهي أرقى ما يبذله الإنسان.

يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود

ويظن بعض الناس وهم على أجر ومثوبة أنهم إذا تنفلوا بالصلوات في المساجد أو في البيوت، وتركوا الجهاد ومراغمة أعداء الله والمنافقين؛ أنهم أفضل من أولئك، نعم هم على أجر، لكنهم ليسوا بأفضل، ولذلك يحقق هذه المسألة ابن المبارك أمير المؤمنين في الحديث، ويخرج التحقيق في أبيات:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

والجهاد باللسان يدخل فيه: المقالة، والخطبة، والدرس، وكلمة الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقلم، والذاكرة، والفكر، والأدب، والثقافة، والتراث، كلها تكون لمرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} متفق عليه، وسبب الحديث: {أن رجلاً قال: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل رياءً، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل حمية؛ أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} قال بعض العلماء: هذا حصر، ومفهوم المخالفة في هذه الكلمة: أن من قاتل لغير أن تكون كلمة الله هي العليا، فليس في سبيل الله.

{أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله! أبايعك على الإسلام، فبايعه، فأعطاه عليه الصلاة والسلام مالاً، فقال: يا رسول الله! غفر الله لك! ما على هذا بايعتك، قال: على ماذا بايعتني؟ قال: بايعتك على أن يأتيني سهم طائش غرب يقع هنا -وأشار إلى ثغره ولبة صدره- ويخرج من هنا -وأشار إلى قفاه- قال عليه الصلاة والسلام: إن تَصْدُق الله يصدقك، وأتت المعركة فوقع سهم في لبته، وخرج من قفاه، وقتل في سبيل الله، فمسح عليه الصلاة والسلام وجهه، وقبله، وقال: صَدَقْتَ الله فَصدَقك الله، صدقت الله فصدقك الله}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>