للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التفرق والاختلاف من أسباب النكبات]

ومن أسباب النكبات: التفرق، يقولون: كل يعرف النكبة، لكن ليس الكل يعرف كيف يخرج منها، أي: أكثر الناس الآن يعرفون أن من أسباب النكبات أموراً، لكن لا يعرفون كيف يتخلصون منها.

يذكر ابن القيم في الفوائد أن ثعلبين دخلا في مدجنة -في كرس دجاج- فلما دخلا، أول ما يدخل الثعلب، يدخل خفيف يدخل جائع، أي نافذة صغيرة يدخل وهو جائع، فدخل الثعلبان من هذا فلما أكلا الدجاج كله، أتيا لكي يخرجا فما استطاعا، أصبح الواحد منهما مثل البرميل، وإذا بصاحب الدجاج مقبل معه ساطورة بيده، فطرق الباب يستأذن على الثعلبين، فيقول الثعلب لصاحبه: أين الموعد يا صاحبي؟

قال: نلتقي في المدبغة أي: المجزرة.

من أسباب النكبات التفرق، تفرق الأمة وتفرق الشعوب على مناهج مختلفة، أي: قطيع علماني، وقطيع بعثي، وقطيع ماركسي، وقطيع مسلم، ويقولون: لهم حرية الرأي، أنت تكلم على الماركسية وامدح استالين ولينين، وأنت لا بأس أن تسب الله، وأنت اخطب الجمعة، وأنت صلِّ، وأنت بع مساويك وأنت بع خمراً، أي: ديمقراطية -يعني: عش حراً، وهذه هي قاصمة الشعوب، قال: سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً عن مبدأ التفرق {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:٤٦] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤] وقال سبحانه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:١٠٥] أرسل عثمان رضي الله عنه، وقد طوقوا قصره.

جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دُمي

فلما طوقوا عليه بيته وأرادوا قتله وكان صائماً ذاك اليوم، وقد نام بعد الظهر ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام وقال: يا عثمان سوف تفطر عندنا هذا اليوم، وبالفعل قتل قبل صلاة المغرب، فكتب عثمان قبل أن يقتل إلى علي رسالة مبكية يقول:

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزقي

هذا البيت لرجل جاهلي قديم يقول: فإن كنت مأكولاً أنا، أنت كلني بالتي هي أحسن، يقول: إن كنت أنت تريد الخلافة بعدي فكل بالتي هي أحسن أنا أسلم الخلافة الآن، لكن علياً بريء من دم عثمان وهو وأخوه وصنوه ويجمعهم الله في الجنة، وهم شهداء أبرار، ونشهد الله على حبهم يقول:

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكلِ وإلا فأدركني وإلا أمزقي

يقول: أدركني قبل أن أمزق، وأتى علي رضي الله عنه يجمع الأمر ويدرك عثمان، فوجده قد مزق، حتى قتلوه وانسكب دمه على المصحف وكان يفتح على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٧] فقطرت هذه الدماء الطاهرة على هذا الآية، قالوا: ولا زالت هذه الآية الآن على المصحف وهي موجودة في اسطنبول في متحف هناك، دم عثمان على الآية، انظر اختيار الآية، المقصود: أنه لما قتل عثمان بكى علي وقال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] وهذا مثل في الجاهلية، يقولون: كان هناك ثلاثة ثيران قوية، أحمر وأبيض وأسود: كانت ترعى سواء تسرح إلى الماء سواء، وتمشي وتقوم وتشرب سواء، جاء الأسد وأراد أن يفترسها فاجتمعت عليه فناطحته فقتلته، فجاء أسد آخر فطردته، جاء النمر فاجتمعت عليه، فجاء أسد ذكي وأخذ الثور الأسود وقال: أريدك في أمرٍ، قال: ما هو؟ قال: هذا الثور الأبيض يأكل عليك المرعى دائماً، دائماً ينكد عليك، فأريد أن أتعاون أنا وإياك والأحمر ونقتل هذا الأبيض، قال: أصبت أصاب الله بك الخير، فاجتمعوا على الأبيض فقتلوه، فلما أتى رجع إلى الأسود وقال: هذا الأحمر يفعل فعل ذاك، ما رأيك نقتله، قال: نقتله فاجتمعوا عليه فأبادوه، فقال: الأسد للأسود بقيت أنت يا عدو الله، قال: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

وبالفعل استمر علي رضي الله عنه فقتل، قتله بعض أولئك الشرذمة، يقول: ما دام قتل عثمان أنا سوف أقتل وهذه حكمة الله عز وجل، فأما مثل علي وعثمان فهي درجات عند الله وحسنات، وأما أعداء الله فإنه يعذبهم في الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>