للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الالتزام بالعبادة منذ الصغر]

وأما الصنف الثاني: فهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله وعبادته، لا يعرف إلا القرآن، وذكر الله عز وجل، وهذا الأمر عزيز ونادر، حتى يقول الغزالي: إنه نادر جداً في الأمة.

لكن من الناس من ينشئه الله نشأة حسنة ويربيه على طاعته، وفي الحديث: {يعجب ربك سُبحَانَهُ وَتَعَالى من الشاب ليس له صبوة} معنى الحديث: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يتعجب فوق سبع سماوات من شاب لا يعصي الله عز وجل، يتعجب أن هذا الشاب عنده قدرات وطموح وقوة وفتوة، ثم لا يعصي الله عز وجل، فيتعجب الله عز وجل منه.

ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يستحي أن يعذب شاباً في الإسلام} فإذا كان الله يستحي من فوق سبع سموات أن يعذب شاباً في الإسلام؛ فما بالك بالذين لا يستحون من الله عز وجل؟!

ومن الشباب الذين نشئوا في عبادة الله -كما في السير والأخبار- أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو من رواة البخاري ومسلم، كان في العشرين من عمره وكان إذا خرج إلى السوق ونظر الناس إلى وجهه، تركوا بضائعهم وقاموا على أرجلهم، وقالوا: لا إله إلا الله، حتى يقول الحسن البصري: [[هذا سيد شباب أهل البصرة، وإني لأظنه من أهل الجنة]] أيوب هذا كان لا يعرف إلا الله عز وجل، فكان من بيته إلى مسجده، وكان يقرأ الحديث على الناس فتغلبه عيناه بالدموع، فيميط عن أنفه ويقول: ما أشد الزكام! يظهر أن هناك زكاماً وهو البكاء، يقول الإمام مالك: ما ظننت أن في أهل العراق خيراً حتى رأيت أيوب بن أبي تميمة وهو شاب قدم علينا، فسلم على رسول الله في قبره، ثم بكى حتى كادت أضلاعه تختلف.

فهذا من الشباب الذين نسأل الله أن يظلهم وإيانا في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وذكر الذهبي وغيره من أهل التواريخ والسير: أن سهل بن عبد الله التستري كان شاباً صغيراً، فكان يقرأ القرآن في المسجد مع شيخه، فكان شيخه يحبه كثيراً، فذهب زملاؤه إلى آبائهم وقالوا: يا أبانا! شيخنا يحب سهلاً أكثر منا، فذهب آباؤهم وقالوا: كيف تقدم سهلاً على أبنائنا دائماً وهم سيان في القراءة والتلاوة، قال: لأن سهلاً يخاف من الله عز وجل أكثر من أبنائكم.

قالوا: دلل لنا على ذلك.

فقال: سوف أدلل لكم على ذلك -وكان هذا الشيخ حكيماً- فقال لهؤلاء الطلاب: ليأتي كل منكم بدجاجة، فأتوا في الصباح كل واحد منهم بدجاجة، فلما أحضروها قال: كل منكم يذهب بهذه الدجاجة إلى مكان لا يراه فيه أحد ويذبحها.

فذهبوا جميعاً كلٌ بدجاجته، فلما اختفوا؛ ذبح كل واحد منهم دجاجته ثم رجعوا إلى الشيخ إلا سهلاً لم يذبح دجاجته، فقال: أذبحتم دجاجكم؟

قالوا: نعم.

قال: وأنت.

قال: ما ذبحتها.

قال: ولم؟

قال: لأنك قلت لي في مكان لا يراني فيه أحد، والله يراني في كل مكان.

قال: فلما أتيت وسللت هذه السكين لأذبح هذه الدجاجة تذكرت الله فكففت.

قال: نعم.

وأنت نسأل الله أن تكون -أو كما قال- ممن يعبد الله كأنه يراه.

فهذه هي أعظم درجات الخشية من الله، وهؤلاء من الشباب الذين يحبهم الله عز وجل وأنشأهم في عبادته، ويظلهم في ظله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>