للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أسباب سقوط الشيوعية]

إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عنوان هذا الدرس: (الشيوعية إلى الهاوية) وهو حديث الساعة وقضية الزمن، وهو حدث هائل هز العالم، ولا بد أن يتكلم عنه الدعاة، وأهل العلم ويفيضوا فيه، وتكون الأمة على مسمع ومرأى من هذا الحدث الهائل، وما هي قدرته سُبحَانَهُ وَتَعَالى وتأثيره، فسبحان الذي يغير ولا يتغير: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨] ويقول سبحانه تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧] وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالى، الذي يغير هذه الدول ويبيدها.

حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل

فاترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل

ثم ليعلم المسلم أنه لا يقع في الكون من صغير ولا كبير، ولا تولية ولا عزل، ولا غنى ولا فقر، ولا قوة ولا ضعف، ولا سلم ولا حرب، ولا نصر ولا هزيمة إلا بقدرة القادر، فإن الله يقول عن نفسه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩].

قال ابن القيم رحمه الله: يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويجبر كسيراً، ويعافي مبتلىً ويولي هذا ويعزل هذا، ويملك هذا وينزع الملك من هذا، فلله الحكمة المطلقة، وله القدرة النافذة، جل اسمه.

يقول أبو العلاء المعري:

تقضون والفلك المقدر ضاحكٌ وتقدرون فتضحك الأقدار

والمعنى: أنكم أنتم تحاولون أن تبنوا شيئاً والله يريد هدمه، وتريدون أن تمضوا شيئاً والله يريد إيقافه، وتريدون إحياء شيء والله يريد إماتته.

دخل القاضي عبد الجبار المعتزلي على أبي المعالي الجويني والقاضي عبد الجبار المعتزلي على مذهب المعتزلة وهم لا يرون أن الله يقدر المقادير سبحانه، وهو رأي مبتدع أخذ من المجوس، وهم يرون أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لا يدري بالأمر حتى يقع، وهذا كذب،

أبو المعالي الجويني أشعرياً لكنه أهدى وأقرب إلى السنة من القاضي عبد الجبار المعتزلي.

قال القاضي عبد الجبار: سبحان من لا يقدر الفحشاء، وهذا فيه كلام وفيه دغل، ومعناه: أن الفحشاء تقع والله لا يقدرها، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:١١٢] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس:٩٩] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:١٠٧] قال أبو المعالي الجويني: سبحان من لا يقع في كونه إلا ما يشاء.

إذا علم هذا -أيها الإخوة- فليعلم أن الشيوعية الآن تهوي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، أي: إلى غير رجعة، فما هي أسباب هذا السقوط والانهيار؟ وما هي أسباب هذا الموت والدمار؟ وهل لقدرة الله تأثير؟

نعم والله فإن الله تعالى يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:٥٤] وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

أسباب سقوط الشيوعية سبعة أسباب:

١ - الشيوعية خالفت فطرة الله قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٣٠].

٢ - الأنظمة التي واجهتها الشيوعية سواء كانت مهتدية كالإسلام أو ضالة كـ الرأسمالية، كانت مصيبة في عدائها للشيوعية في المذهب الاقتصادي، أو في الحوار والرأي أو في الحكم والقرار، وكان لهذا الوقوف من جانب الإسلام والرأسمالية أعظم الأثر في انهيار الشيوعية.

٣ - الجماعة التي لا تجتمع على الحق لا بد أن تتبدد في الأخير، وهي سنة الله عز وجل، فـ الشيوعية قامت بالثورة عام (١٩١٧م) ولم تكمل اثنتين وسبعين سنة إلا وهي تعلن الانهيار والموت، والإسلام عمره الآن (١٥٠٠) سنة أو نحو ذلك، وهو سوف يبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكلما بقي وكلما استمر أعلن شموخه وعزته.

٤ - شب الأفراد عن الطوق، وذهبت عبودية البشر، فإلى متى يبقى الإنسان عبداً للإنسان؟

٥ - قوة وسائل الإعلام الغربية في تدمير الشيوعية في نفوس أصحابها بما تعرضه عليهم من مغريات، وما تطاردهم في أنفسهم من حاجيات، ومن فقر مدقع وعوز وضعف.

٦ - مصير العسف وخاتمة الجبروت الهاوية.

٧ - الجهاد الأفغاني يمكن أن يكون سبباً سابعاً وإلا فالبعض يرونه السبب الأول وأنا أقول هو السابع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>