للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[زهد ابن تيمية]

أما زهده فشيء فوق الخيال ولا يدور في البال، أولاً: لعلمكم الرجل لم يتزوج وعدم التزوج ليس هو أفضل بل التزوج أفضل لكن لسرٍ علمه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، عاش عمره كله ما تزوج ولا تسرى أبداً، وما اغتسل من جماع حتى لقي الله عز وجل، هذا ابن تيمية.

أما ليله فمع الله عز وجل من صلاة المغرب إلى صلاة الفجر، كلها صلاة ومناجاة وقراءة قرآنٍ وتسبيحٍ وتكبيرٍ وتهليل، وأما نهاره فجهاد، إذا دخلت السوق وجدته مع الجلادين يجلد المنحرفين عن شرع الله، وإذا دخلت المسجد وجدته يفسر القرآن كل جمعة، من الصباح إلى دخول الخطيب على المنبر، وإذا أتيت إلى الصيام وجدته من الصائمين، وإذا أتيت إلى حلقات العلم وجدته من العلماء العاملين، وإذا أتيت إلى الجهاد فإذا هو حامل راية الجهاد وضارب بالسيف؛ لذلك هو شخصية متكاملة تذهل القلوب والعقول.

زهده في الدنيا قالوا: كان عنده دائماً ثوب أبيض وعمامة، لا يملك من الدنيا إلا هذا، وكان عنده غرفة بجانب المسجد، وإلا فأسرته غنية وثرية، لكن تاقَ قلبه إلى الدار الآخرة وإلى المنازل العالية، وكان عنده إن كان مفطراً في اليوم وجبتان، وجبة في الصباح ووجبة في المساء فحسب، وإلا فطيلة أيامه صائم، رضي الله عنه.

يقول أحد تلاميذه: ذهبت معه فمر بنا مسكين فسأل شيخ الإسلام ابن تيمية قال: فلف شيخ الإسلام وراء جدار فخلع ثوبه الأعلى ثم أعطاه هذا المسكين واعتذر من هذا المسكين، قال: ومررت عنده مرة ثانية ومعه ثوب واحد فسأله المسكين قال فاختفى وراء جدار ثم أخرج عمامته فقسمها قسمين ثم أعطاه نصفاً وأبقى نصفاً اعتصب بها، وتعمم بها.

هذا هو ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة.

كان يخرج إلى السوق في بعض الأوقات في الضحى، فإذا خرج إلى السوق وقف الناس ينظرون إليه ويهللون ويكبرون، يقول ابن القيم: "والله إني كنت إذا نظرت إلى وجهه تذكرت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكثرة اتصاله بالله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>