للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توضيح عمر لمبدأ العزة]

تستمر حياة عمر رضي الله عنه، ولكن عمر لا ينتهي عند هذا الحد, فليس هو عادلاً في الرعية فقط، بل فاتحاً, وأعظم فتح سوف أذكره، وإلا فثلاثة أرباع فتوح المسلمين فتحها عمر بجيوشه رضي الله عنه وأرضاه.

فتح بيت المقدس والقصة صحيحة، ويرفض النصارى أن يستلم مفتاح باب بيت المقدس إلا عمر، أمراؤه أربعة وجيوشه كثيرة، ولكن النصارى يطلبون عمر رضي الله عنه وأرضاه.

فيخرج من المدينة، ويشير عليه الصحابة أن يأخذ حراساً فيأبى، لأن الحارس هو الله، ويأخذ مولى له ويقول للمولى: [[اركب أنت عقبةً وأنا عقبة، قال: يا أمير المؤمنين! لا.

قال: لا، أنت مرة وأنا مرة]] لأن هذا المولى إنسان يتعب كـ عمر، ويجوع كـ عمر، ويظمأ كظمأ عمر، فكان يركب عمر قليلاً وذاك يقود الجمل بزمامه ويمشيان، فإذا تعب نزل عمر وركب المولى وهكذا، ويستقبله أمراء الأجناد أبو عبيدة وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وقد خرجوا لاستقبال الفاتح العظيم، وكما تفضل الشيخ عبد الوهاب:

أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر

رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا

فيستقبلونه فيقول عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! خيبتنا وفضحتنا! قال: بماذا؟

قال: أتيت بلا حرس ولا جند، ولا لباس، فثوبه الذي في المدينة أتى به بوصفه، قال: [[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]].

نحن قوم لا نعتز بالسيارات أوالموديلات أوالفلل، فنحن عندنا إرادة وأصالة وعمق، وعندنا شيء ثمين، إذا تمسكنا به أعزنا الله وأخزى أنوف أعدائنا, ويوم أن نتخلى عن هذه الوثيقة الربانية، والعلم الشهير، والرسالة الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام نبقى هناك في آخر الركب، ففي هيئة الأمم المتحدة الأعضاء الخمسة الذين يملكون حق نقض الفيتو من الأمم الكافرة، وترى ممثلي دول المسلمين ينامون في آخر هيئة الأمم فإذا قيل: موافقون؟! قالوا: موافقون.

ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستشهدون وهم شهود

فذهب عمر، ولما اقترب من النصارى، خرجوا وقالوا: اقترب عمر، اقترب عمر، ولما اقترب من بيت المقدس، أتت نوبة المولى ليركب، قال المولى: اقتربنا يا أمير المؤمنين! ولن أركب، قال: والله لتركبن، فهذه نوبة العدل، فركب وأخذ عمر زمام الجمل، وكان هناك طينٌ قريب من بيت المقدس، فأخذ عمر يرفع ثيابه ويقود الجمل، فيقول النصارى: أهذا مبشرٌ بالخليفة؟

أي: أهذا الرجل أتى يبشرنا بقدوم الخليفة؟

قالوا: بل هو الخليفة، قالوا: هو الذي على الجمل؟

قالوا: لا، بل هو الذي يقود الجمل، وهذا شيء عجيب! لو أن شيئاً لا يثبت لما كانت العقول تثبت هذا، لكن يثبت هذا الكتاب الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم وسيرة عمر، ويفتتح بيت المقدس، ويدخل ويصلي ويقود الجماهير، ويقول لـ بلال: اسألك بالله أن تؤذن لنا؟

قال: ما أذنت لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عزمت عليك، فقام بلال وأذن يوم الفتح لـ بيت المقدس، فبكى الناس وبكى عمر.

تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف بن ذي يزن

وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن

ماذا فعلنا بعد عمر؟ ماذا فعلنا بعد هذه المسيرة المتوجهة المتأججة؟

ماذا فعلنا شجبنا بالكلام ولم نحمل سلاحاً ولم نركب على سفن

نشكو على مجلس الأمن الدعي وهل أشقى العروبة إلا مجلس المحن

قضية فلسطين أصبحت في ملفات حمل ثلاثة حُمُر.

تنديد، واستنكار، وبعضهم اتهم إسرائيل واغتابها، وقال: لها نوايا توسعية في المنطقة، أين الورع؟!

قارن بين هذا وبين ذاك الغبش الذي عاشه بعض الخلفاء في خلافة العباسيين كـ المأمون.

يقول ابن كثير في البداية والنهاية (١٠/ ٢٧٧): لما تزوج المأمون بـ بوران وما أدراك ما بوران؟!

امرأة كبنات الناس، تزوج بها لكنه أمهرها الميزانية، وهي بنت الوزير الحسن بن سهل، أراد أن يتزوج المأمون بها, فسلم الميزانية كلها مهراً للبنت، وهذا عام (٢١٠هـ).

قالوا: إنه نثر على رأس الحسن بن سهل الدر والجوهر، وكان عدد الجوهر ألف درة، وأنفق خمسين ألف ألف درهم، وأطلق لأبي البنت عشرة آلاف ألف درهم، ووزع على قواد الجيش بمناسبة الزواج الضياع والقرى والبساتين، فأين عمر؟

وأين الفاروق؟

وأين العبقرية؟

وأين أثر الإسلام؟

هكذا فعل المأمون ووقع في الغبش، وما اتضحت له طريقة عمر، وكان خطأً فاضحاً في التاريخ.

ويأتي القاهر بعد المأمون بما يقارب عشرة خلفاء, فيريد أن يتحصن أكثر وأكثر، ويريد أن يتمكن أكثر وأكثر, فيحفر بركاً ويملؤها بالذهب ويجمع أبناءه، ويقول: لا تخافوا الفقر؛ فقد ملئت لكم هذه البركة ذهباً وفضة، سبحان الله، أتتحدى الله؟

تقضون والفلك المسيّر دائر وتقدّرون فتضحك الأقدار

فسلب الخلافة، وخلع مباشرة، وسملت عيناه، وسلمت البركة للخليفة من بعده بذهبها وفضتها، وأخذ يقف في مساجد بغداد ويقول: من مال الله يا مسلمين!!

قال تعالى: {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:١٦] إن هؤلاء الخلفاء: القاهر والمأمون لم يطالعوا يوماً من الأيام سيرة عمر، ولم يجدوا فراغاً من الوقت ليراجعوا حسابهم مع الله، ويعلموا أن هذه السيرة تغضب الله تماماً، وأنها خطأ في مسيرة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، أتظن أن عمر يبقى في بيته وقصره؟ لا.

فهناك أرامل وأطفال ومساكين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>