للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوازن والتواضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم]

لبس الجديد عليه الصلاة والسلام إظهاراً للنعمة ورداً على متصوفة الهندوك، الذين يرون التقشف وقتل النفس والقضاء على الطموح حياة وإشراقاً:

البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها

والله جميل يحب الجمال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١] فالنبي صلى الله عليه وسلم يلبس الجديد إظهاراً للنعمة، ودمغاً للباطل، وهو عليه الصلاة والسلام يلبس البالي شكراً للباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وتواضعاً للحق عز وجل.

إذاً فمن لبس منا الجديد، فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام، ومن لبس منا البالي فقدوته محمد عليه الصلاة والسلام، ومن جلس على كرسيه للحكم فإمامه محمد عليه الصلاة والسلام، ومن باع أو اشترى، أو سافر أو أقام، أو صام أو أفطر، أو اغتنى أو افتقر؛ فإن إمامه وأستاذه وشيخه محمد عليه الصلاة والسلام:

هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله

وأنتم في غنى وهو في غنى -بأبي هو وأمي- عن مدحي، لكن من الناس من يتصور يوم يقرأ سيرته أنه إمام في الصلاة، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الجنائز والاستسقاء والكسوف، وأنه كان يفتي وعنده بعض الأحاديث وأنه من الأنبياء، لكن لا.

فالرجل إمام، اعترف حتى أساطين الكفر، أنه إمام على مستوى العالم.

مايكل هارف صاحب العظماء المائة، جعل محمداً عليه الصلاة والسلام في المركز الأول، ويقول في كتابه: إني أعلم أن الأمريكان سوف يغضبون يوم جعلت محمداً في المركز الأول؛ لكن ماذا أفعل؟ قلنا له: أرغم الله أنفك وأنوف الأمريكان، هو الأول سواء رضيت أم غضبت، هو الأول سواء كتبت أو لم تكتب.

وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

محمد عليه الصلاة والسلام تزوج، يا جيلاً صدف عن الزوجات! بحجة البذل في الدعوة والجهاد، محمد أكبر الدعاة وأكبر المجاهدين وتزوج: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨].

وضاحك الأطفال، يا متكبراً لا يسلم على الأطفال ولا يمسح رءوسهم! محمد حمل الأطفال وصلى بالأطفال، ففي الصحيحين عن أبي قتادة قال: {صلى بنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فحمل أمامة بنت زينب فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها} وعند النسائي عن أبي بسرة الغفاري: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بالناس فسجد، فأتى الحسن وأعجبه منظر الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً فامتطى ظهره الشريف -ظهر العظمة والزعامة، والطهر والعفاف- فمكث صلى الله عليه وسلم طويلاً، لئلا يؤذي الحسن، ثم اعتذر للناس وقال: إن ابني هذا ارتحلني -صعد على ظهري- فخشيت أن أقوم فأوذيه فانتظرت حتى نزل}.

اسمع يا زمن! وسجل يا تاريخ! وانظري يا دنيا! أي إمام هذا الإمام، الذي عبأ حاجات الناس كلهم، إن الرسول عليه الصلاة والسلام مازح الأضياف وحياهم، وأتحفهم وبياهم، قاد الأمة؛ فكانت قيادته دستوراً للقادة، ومنهجاً للزعماء، ووثيقة للساسة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>