للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كماله في العبادة]

وعَالَمٌ في الصيام فهو يصوم الليالي والأيام العديدة أربعة وخمسة وستة، لا يفطر لا ليلاً ولا نهاراً، فيقول له الصحابة: {إنك تواصل يا رسول الله! -يريدون أن يواصلوا معه- قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني} قال ابن القيم: لا يطعمه الله طعاماً وشراباً حسياً، إذ لو أطعمه طعاماً حسياً وشراباً حسياً لما كان صائماً لكن يطعمه اللطائف والمعارف والحكم والفتوحات الربانية.

فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا

لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور تستضيء به ومن حديثك في أعقابها حادي

وعالم في الجهاد، أي معركة فر منها عليه الصلاة والسلام؟ متى فر؟ ومن قال أنه فر؟ يقول أبو الحسن علي بن أبي طالب: [[كنا إذا اشتد الكرب وحمى الوطيس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله عليه الصلاة والسلام فيكون أقربنا إلى القوم]].

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أدبت في هول الردى أبطالها

وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها

محمد عليه الصلاة والسلام هو عالم في الذكر، فحياته وليله ونهاره ذكر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر:٩٨] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:٣٥] {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

بل أنفاسه ذكر، وفتواه ذكر، ومزحه ذكر، وخطبه ومواعظه وتوجيهاته ذكر، فهو قرآن يمشي على الأرض، عليه الصلاة والسلام.

وهو عالَم في الأخلاق، شرى قلوب العرب بالبسمات، وأسر الأرواح بالبسمة الحانية عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] يأكل على التراب، حتى قالت امرأة: {انظروا له يأكل كما يأكل العبد، ويشرب كما يشرب العبد فقال: وهل هناك عبد أعبد مني} فرفعه الله، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>