للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التعالي على متاع الحياة الدنيا]

الأمر الرابع: التعالي على متع الحياة وبريق المادة، ولموع الأغراض الفانية، فملبسه متواضع ومسكنه وطعامه كذلك، فهو لا يريد الدنيا، تؤتى إليه مفاتيح وكنوز الدنيا، فيقول: لا.

بل أشبع يوماً وأجوع يوماً حتى ألقى الله، وقال عنه الجاهليون: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:٧ - ٨].

ما لهذا الداعية أليس عنده دخل ولا راتب ولا منصب، لا يملك اللحم ولا الطعام ولا الملابس ولا خدم ولا مساعد، ولا معاون، ويبيع ويشتري في الأسواق، فقال الله رداً على هذا الباطل: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الفرقان: ٩].

ثم قال: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:١٠] لكنه في الجنة، قصره كالربابة البيضاء وله المقام المحمود، وهو أنعم من ينعم في الجنة، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، يدعو إلى الله ويقول للأمة: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:٩٠] أي: لا أتقاضى راتباً شهرياً، ولا أريد مادة، فما سألتكم من أجر فهو لكم، خذوا دراهمكم ودنانيركم وحياكم، خذوا بيوتكم وهداياكم فأنا أريد أن تبقى لا إله إلا الله وتنتصر لا إله إلا الله، ولذلك انتصر لما صدق مع الله.

خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا

فإني أعظمكم ثروةً وإن خلتموني وحيداً سليبا

يقول فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل قال في ظل شجرة ثم قام وتركها} ويقول عليه الصلاة والسلام لأحد أتباعه ومحبيه، كما في البخاري: {كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل} وقال في حديث يصححه بعض أهل العلم: {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس} فإذا هو الزاهد عليه الصلاة والسلام، وإذا هو الذي يعطي ولا يأخذ، لئلا تكون لأحد من الناس منة عليه، صلى الله عليه وسلم.

ويموت عليه الصلاة والسلام وإذا ميراثه: بغلة ودرع وسيف، كل هذا التاريخ وكل هذا الدستور، وكل هذه المسيرة: بغلة ودرع وسيف؟ نعم.

ثم يقول: {نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة} عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>