للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لعق اليد بعد الطعام]

المسألة السادسة: لعق اليد بعد الطعام، من نعمة الله على العبد المسلم أن يرزقه التواضع في حركاته وسكناته ومشربه ومطعمه، والمتكبر يعرف حتى في الكلام، ومن ميز المتكبرين وخصائصهم أنهم لا يلعقون أيديهم بعد الطعام، يذهب أحدهم بالطعام في يده فيغسله، ويأنف أن يلعقها أمام الناس.

لكن رسول الهداية صلى الله عليه وسلم أمر بلعق اليد؛ لأنها نعمة من نعم الله عز وجل، ولا يدري العبد في أي طعامه البركة، هل في أوله أو في آخره؟ أو البركة في هذا الشيء الملعوق الذي بقي في اليد؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أكل أحدكم طعاماً فليلعق يده أو يُلعقها} يَلعقها بنفسه، أو يعطيها ابنه أو بنته تلعقها، وكذلك الصحفة، روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود، وهذا من ألطف الآداب التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

ولذلك روي عن تاجر في عهد السلف الصالح من أكبر التجار، حتى إنه كان يقول: ما أدري أين أضع مالي؟ قال له بعض الناس: أسألك بالله وما هي هذه التجارة وما أولها وقد كنت من أفقر الناس، قال: كنت في بيتي إذا أكل أهلي الطعام أقوم في البيت فأدرج، فإذا وجدت فتاتاً رمي في الأرض أخذته وجمعته وأكلته، وحمدت الله؛ فرأيت أن هذا من سبب هذا، فمن يقدر نعمة الله ويشكرها ويعيدها، ويستغلها في طاعته يوزعه الله شكرها ويزيده: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

ولذلك ذكر أهل التاريخ قصص كثير من الناس أساءوا في استخدام هذه النعمة فعدموا وأملقوا، منهم خليفة عباسي، قيل: القاهر، وقيل: المقتدي، بنى داراً له، فجعلها كلها من فضة، وجعل أعمدتها من ذهب، والأواني كلها من فضة خالصة، وفي الأخير رأى الله تلاعبه بالمال، وإسرافه فأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول ابن كثير -وعودوا إليه في المجلد الحادي عشر- انتهى به الحال إلى أنه عزل من الخلافة، وقام يستجدي الناس في المساجد ويتطلب، لأنه لم يشكر نعمة الله عز وجل، ويستغلها ويصرفها في مصارفها، جعله الله عبرة أن يقف أمام الناس ويطلبهم، ويستقرضهم من مال الله عز وجل، وكثير من العبر التي ذكرها الله عز وجل، كما في قصة قارون وغيره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>