للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معاناة أبي هريرة في طلب العلم]

استمر به عمره المبارك في العلم، وحصل في أول إسلامه جوع على عهد الصحابة والصدر الأول، قال: صليت مرة من المرات صلاة المغرب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، قال: والله لقد كنت أصرع بين المنبر وبين بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بي إلا الجوع، فيأتي الرجل فيجعل رجله على رأسي ويقرأ علي شيئاً من القرآن يظن أني صرعت -يظن أن به جاناً- وما بي إلا الجوع، قال: فصليت المغرب معه صلى الله عليه وسلم، ثم تعرضت لـ أبي بكر عله أن يضيفني لكنه لا يستطيع أن يقول: عشني الليلة أو أريد أن أذهب معك، قال: فسألته عن آيات آخر سورة آل عمران، وأنا أعرفها كما يعرفها، قال: فقرأ عليه عشر آيات وهو واقف، ثم ذهب، قال: فتصديت لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن نفس الآيات العشر، قال: فقرأها علي حتى ختم ثم ذهب.

قال: فلما خرج صلى الله عليه وسلم تعرضت له، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أتكلم، وعرف عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه من المعجزات وأعطاه من قوة الإلهام وأعطاه من قوة البصيرة ونفاذ القدرة ما لم يعط غيره من الناس، قال: فضحك صلى الله عليه وسلم وأخذ بأصابعي هكذا وشبكها بين أصابعه، قال: ثم جرني معه إلى البيت عليه الصلاة والسلام، قال: وكانت تلك الليلة ليلة أم سلمة، فدخلت معه صلى الله عليه وسلم فقال: هل من عشاء؟ قالت: نعم فقربت لنا عشاءً فأخذ صلى الله عليه وسلم يقربه منه، ويباسطه صلى الله عليه وسلم ويكلمه حتى يهنأ ويمرأ على حد قول الأول:

أباسط ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب

وما الجود للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب

فلما انتهى قام وما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو جواب السؤال الذي ورد على الرسول صلى الله عليه وسلم.

حمل عليه رضي الله عنه بعض أعداء الإسلام، مثل أبي رية في كتابه، ومثل المستشرق المجري جولد زيهر في كتب لهم، وإنما أعرضها لأن كثيراً من طلبة العلم لا يعرف هذا، ورد عليه علماء الإسلام، وردوا على هذه الفرية، بل هو رضي الله عنه حافظ تقي أمين عابد زاهد ممن نتولاه ونحبه ونشهد له بالخير.

يقول ابن كثير عنه: كان من العباد الكبار، والزهاد المرموقين، وكان يسبح في اليوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، قالوا: لماذا؟ قال: لأن ديتي اثنا عشر ألف درهم رضي الله عنه.

وكان فيه دعابة، فهو خفيف الروح، يسري على القلوب كالماء الزلال، فيحبب نفسه عند أطفال المدينة، وعند أهلها، وهذه من المآخذ التي أخذها أبو رية على أبو هريرة، أنه كان يأتي والأطفال يلعبون بعد صلاة المغرب فيقع بينهم فيفرون ثم يتحرك ويقوم، ولما تولى إمارة المدينة بعد مروان بن الحكم، أراد أن يهضم نفسه، فأخذ حزمة من الحطب ودخل السوق، وقال: افسحوا للأمير؛ أي: وسعوا للأمير طريقاً، يريد أن يهضم نفسه بتقوى الله عز وجل.

توفي رضي الله عنه على فراشه بعد أن ترك علماً جماً، فهذا عرض سريع لسيرة أبي هريرة، وإنما نسوقها لأغراض تربوية، ولنستأنس بسيرهم، ولنعطر ونضوع مجالسنا بأخبارهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>