للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاشتغال بالتوافه عن الأصول]

تلك بعض أدوائنا وأزماتنا, وأشير إلى البعض الآخر باختصار:

أزمة الاشتغال بالتوافه عن الأصول، أو إشغال الوقت في غير ما خلق له الإنسان، ونحن نؤمن بالوسائل لكن لا نجعلها غايات، فالرياضة في الإسلام وسيلة وليست غاية، ولا مبدأ يوالى ويعادى عليه, ويحب ويبغض من أجله، إنما الذي يوالى ويعادى عليه هو الإسلام, فنحن هنا نعتبر الرياضة وسيلة, هذا هو رأي الإسلام، ويوم أن تجعل غاية معنى هذا أننا حطمنا رسالتها، وألغينا فاعليتها في الأرض؛ لأنها يوم أن تصبح غاية فسوف يوالي هذا هذا؛ لأنه من ناديه، ويلبس لونه ويسير في مسيرته, ويعادي ذاك ولو كان أخاه لأبيه وأمه.

فالمقصود أنها وسيلة ليس إلا، وهي الغاية لنربي أجسادنا على رفع لا إله إلا الله؛ لأننا أمة ينتظر منا أن نفتح العالم كل العالم، ليس الجزيرة فحسب بل العالم كله يتوجه إلى الكعبة خمس مرات في اليوم والليلة.

واسمحوا لي إن أكثرت من الشعر فهذا نادي الشعر والحب والأدب:-

يا أمة كم علقوا بكيانها خيط الخيال

وهي البريئة خدرها فيض عميم من جلال

شاهت وجوه الحاقدين بكف خسف من رمال

موت أتاتورك الدعي كموت تيتو أو جمال

يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد

كفرت بمجلس أمن من نصب المنايا للعباد

القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد

جثث البرايا منهمو في كل رابية وواد

فالمقصود أن غايتنا من الرياضة أن نرفع لا إله إلا الله، كان ابن تيمية يصعد وينزل في جبل كسروان عصراً, فقالوا له: ما لك؟ قال: إنني أتقوى على الجهاد في سبيل الله، أما أن نقوي أجسادنا ثم بعد ذلك لا تكون هناك نتيجة ولا غاية فهذا ليس بصحيح.

من غاياتنا أن نتقوى على طاعة الله عز وجل, ومن غاياتنا أن ندخل بالرياضة إلى بلاد العالم وإلى قلوب الناس إذا حملنا الرسالة؛ لأن الناس إذا خرج أحد منا ومن أنديتنا ومنتخباتنا إلى العالم, قالوا: هذا خرج من بلاد مهبط الوحي، من الجزيرة، من مكان يستقبله كل يوم وليلة ألف مليون (مليار) مسلم, فإذا رأى الشاب علم أنه يحمل رسالة فما هي رسالتنا إلى الناس؟ رسالتنا ليست رياضة، رسالتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، لننقذ العالم وندخل بهذه الوسيلة ليعلم بنا العالم، ويجلس معنا ويستمع إلينا.

إن العالم ينتظر من أبنائنا وشبابنا وينظر إليهم نظرة الطموح والإيمان والحب، فهذا محمد إقبال شاعر الباكستان , أتى إلى هذه البلاد وطاف بالبيت العتيق, ورأى شباب الإسلام فما رأى كالذي سمع, كان يتصور أنه يجد شباب الجزيرة قوماً همهم حمل لا إله إلا الله، قوماً يتمنى الواحد منهم أن يموت في سبيل الله، قوماً يتلمظ الواحد منهم كالأسد متى يشرق دين الله تعالى على الأرض كلها، فبكى وأبكى وسجل قصيدته (تاجك مكة) يقول فيها وهي مترجمة:

نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا

ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا

فمن الذي أطفأ نار المجوس إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, يوم انطلقوا من الصحراء, ليس عندهم طائرات ولا دبابات ولا قنابل ولا صواريخ، يدخل ربعي بن عامر -أحد جنود الإسلام في الثلاثين من عمره- على رستم القائد الفارسي المجرم، فيقول له رستم وهو يضحك استهزاءً به, يوم أن رأى فرسه الهزيل وثيابه الممزقة ورمحه المثلم، قال له: يا ربعي , جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المثلم والثياب الممزقة.

فيقول ربعي كلمة كالقذيفة بل أقوى من القذيفة قال: [[إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وبدأت المعركة, وكان جيش كسرى مائتين وثمانين ألفاً، وكان جيش المسلمين ثلاثين ألفاً، وبعد ثلاثة أيام أخفق الإلحاد والزندقة والتبعية والتخلف وارتفعت لا إله إلا الله، وأصبح الشهداء يقدمون دماءهم إلى الله.

يقول سعد وهو يرى قصر كسرى الذي حكم فيه ألف سنة: الله أكبر, فانصدع القصر، فبكى سعد وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِين * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِين} [الدخان:٢٥ - ٢٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>