للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوقفة الحادية عشرة: الذكر الشرعي والذكر البدعي]

هناك ذكرٌ شرعي عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، وذكرٌ بدعي، ونحن أمه توقيفية، أمة تقف عند الوحي، تتلقى أوامرها من الله، من الكتاب والسنة، ولا تبتدع، لقوله صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} [[]].

فالذكر الشرعي هو ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، مثل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله إلى غيرها.

أما الذكر البدعي فهو: الذي أحدثه المبتدعة، وما أنزل الله به من سلطان، مثل أنهم يقولون: أعظم الذكر الاسم الأعظم، ويجعلون الاسم الأعظم الضمير (هو) يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] ويقول: {إِلَّا هُوَ} [البقرة:١٦٣] قالوا: (هو) هو الذكر الأعظم.

فيأتي هؤلاء المبتدعة فيجلسون في الزوايا يقولون: هو هو هو، بدل أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يقف أحدهم من صلاة العصر إلى المغرب يقول: هو هو هو هو.

قال أهل السنة: هذا ليس بذكر بل هذا نباح كلاب.

وابن عربي يقول: والدرجة الثانية في أعظم الذكر الاسم المجرد: الله الله الله الله.

قال ابن تيمية: لم يأتِ به نص عنه عليه الصلاة والسلام، وليس في ترداده وحده مجرداً أثر إليه عليه الصلاة والسلام، فتجد بعضهم يقول: هو، وبعضهم يقول: الله الله الله الله، وبعضهم يأتي بالاسم مجرداً بلا طلب، فتجده يقول: يا لطيف! يا لطيف! وهو قد يؤجر إذا قصد به أن يدعو الله عز وجل لكن يبين دعاءه، ولا يبقى على هذا؛ لأنه ليس من الأدعية المأثورة أن تنادي بالاسم فحسب، كرجل يأتي عند الباب، ويطرق عليك بابك، يا محمد! يا محمد! فتقول: نعم، فيقول: يا محمد! وتقول: نعم، فيقول: يا محمد! يا محمد! حتى أن بعض المبتدعة ورد أنه أتى إلى المقدسات، فكان يردد يا لطيف! من العشاء إلى الفجر، قيل له: أليس عندك ذكر غير هذا؟ قال: أوصاني أحد المشايخ أن أقول يا لطيف! سبعة آلاف مرة عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وهذه بدعة مركبة، كونها عند القبر وهذا أيضاً ذكر غير شرعي.

ومن المبتدعة كذلك من يذكر الله بغير أسمائه المأثورة الثابتة التي قال فيها: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠] ومن الإلحاد في الأسماء أن تسمي الله بغير اسمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، مثلما ذكر الغزالي، أبو حامد صاحب الإحياء: يسمون الله يا دهر الدهارير! فلذلك يدعو أحدهم فيقول: يا دهر الدهارير افتح علي، وهي ليست من أسمائه سبحانه، أو يا موجود! وهي ليست من أسمائه، أو اشتقاق ما لم ينزل الله به سلطاناً، يا يقظان! فهذه كلها إلحاد في أسمائه.

إنما يذكر بالأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة، يا كريم! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! يا بديع السماوات والأرض! إلى غيرها مما ثبتت عنه عليه الصلاة والسلام، أو وردت في الكتاب والسنة.

هذا -أيها الإخوة- الذكر الشرعي والذكر البدعي، وهو آخر عناصر هذا الدرس، وأنا لا أحب الإطالة؛ لأنه سوف تكون هناك سلسلة من الدروس كل يوم إن شاء الله ينبني بعضها على بعض، وما حصل فيه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولمن أراد الله به خيراً نفعته كلمة، والذي لا يريد الله به خيراً لا تنفعه محاضرات الدنيا ولا كتب الدنيا، وإنما يزيد بالسماع ضلالاً إلى ضلاله، وإعراضاً إلى إعراضه، وبعض الناس يفتح الله عليه بكلمة، ويستفيد بموعظة أو آية أو حديث، فيكون موفقاً في الدنيا والآخرة، وبعضهم لو تناطحت جبال الدنيا أمام عينيه، ما زاده إلا إعراضاً وعتواً.

التفت عليه الصلاة والسلام إلى السماء، والحديث عند أحمد، وقال: {هذا أوان انتزاع العلم -أي: انتزاع العلم من الصدور- قال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله كيف ينتزع منا العلم؟! والله لنحفظن القرآن أبناءنا، ويحفظه أبناؤنا أبناءهم، قال عليه الصلاة والسلام: ثكلتك أمك يا زياد! كنت أظنك أفقه رجل في المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ما انتفعوا بها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

أيها الإخوة: أسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل ما سمعنا حجة لنا لا حجة علينا، لنكون عاملين مؤدين صادقين مع الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>