للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إحياء الموتى]

القضية الثالثة: في نزول الغيث عبرة، وهي أن الله يحيي الموتى ويردهم إليه، قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢] والله ذكر هذه القضية في كثير من آيات القرآن، كلما ذكر نزول الغيث وإحياء النبات وترعرع الأزهار والنبات والأشجار، أخبرنا أنه يعيد الموتى إليه كما أعاد هذا الشجر بعد أن مات، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:١٠ - ١١] كذلك الخروج من المقابر، كذلك تخرجون أيها البشر إذا متم؛ تخرجون كما تخرج النباتات.

هل تصور أحدكم حديقة مر بها وقد مات شجرها واختفى زهرها وذبل وردها، حديقة ظن أنها لا تعود لها الحياة أبداً، هاجرت منها الطيور وفارقها الهدهد وهجرها الحمام، لا ماء ولا رواء ولا خضرة ولا حياة، أصبحت الأشجار تهوي بها الريح في غبار تشمئز منه النفوس، واليوم عد إلى الحديقة وانظر إليها، عادت كما كانت عليه ولبست حلة، واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج:٦] وهي أعظم قضية، قضية الإيمان.

أعظم آية في نزول الغيث أن الله هو الحق، فالقلوب ما اتجهت يوم أتى هذا الجدب إلى الشرق أو الغرب بل اتجهت إلى الله.

خرج سليمان عليه السلام يستسقي بالناس، وإذا بنملة رفعت أرجلها تقول: يا رب اسقنا، يا رب لا تحرمنا القطر بعصاة بني آدم، نملة ونحلة ويرقة وورقة، كلها تلتجئ إلى الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:٦].

وهي القضية الثانية الكبرى، مع ذلك الله حق ويحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، وأن نعتبر بهذا، فإنه دليل قاطع وحجة باهرة على إحياء الموتى بعد أن يموتوا، والله قادر على ذلك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول في ملحد زنديق اعترض على هذه القضية، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩].

فهذه قضايا في نزول الغيث.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:٢٨] وارتاحت قلوبنا وعادت لنا الحياة، واخضوضرت أوراق الأشجار، وسرى النسيم وعادت الأطيار المهاجرة، ونزل الأمن والسكينة، وعاد الصالحون في توجه عظيم إلى الله، يشهدون أن الدين حق وأن الله حق وأن الرسول عليه الصلاة والسلام حق.

إنه -والله- سر من أسرار هذا الدين العظيم الذي وصل هذه الأمة الربانية بربها، تستسقي في الصباح وينزل الغيث في المساء إجابة لدعوتها ودعوة الصادقين من أبنائها.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>