للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نبذة تعريفية عن شيخ الإسلام ابن تيمية]

السؤال

وهذا يطلب من الشيخ أن يحدثه عن الإمام الفاضل ابن تيمية؟

الجواب

مرحباً بك وبـ ابن تيمية، وبيض الله وجه ابن تيمية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، قال الذهبي فيما ينسب له: كان جده - عبد السلام صاحب المنتقى - قمراً وأبوه نجماً، وابن تيمية شمساً فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.

ولد عام ٦٦٦هـ،- وهذا الكلام ليس ترجمة وإنما نبذة عنه، سقط رأسه في الأرض وملأ الله قلبه بالإيمان، وغرس الله في قلبه لا إله إلا الله، كان يسجد وعمره ثمان سنوات ويبكي وهو في السجود، ويقول: "يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني" نشأ تقياً ذكياً زكياً، فأما التقوى فلا تسل؛ ليله ونهاره مع الله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] وزكياً زكَّى نفسه بالطاعة، وعبقرياً عبقرية فياضة، يقول - وهو يتحدث بنعمة الله-: إني لأقرأ الكتاب الواحد المجلد فينتقش في ذهني مرة واحدة، وكان فيما ذكر عنه أن اثنين من الأكراد، أو من التركمان وقعت بينهم مشكلة بلغتهم تسابوا وتضاربوا في السوق، وابن تيمية حاضر، فاستدعاهم القاضي، فقال لهم: هل لكم شهود؟ قال أحدهم: ابن تيمية حضرنا، فاستدعى ابن تيمية قال: هل سمعت؟ قال: أنا سمعت كلاماً ما أفهم معناه بلغتهم، قال: أعده علينا، فأعاد كلام الرجلين.

ثبت عن تقي الدين بن دقيق العيد أنه رأى ابن تيمية، فرأى عيناه كأنهما لسانان ناطقان تكاد تتحدثان، أي: بقي قليل وتقول عينه: باسم الله.

يقول البردوني:

من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى

فقال ابن دقيق العيد: ما أظن أن الله يخلق مثلك! -أستغفر الله- بل يخلق أكثر، ولكن هكذا اندهش الرجل، حتى يقول الذهبي: لو حلفت بين الركن والمقام أن عيني ما رأت مثله لصدقت وما حنثت.

كان إذا خطب يغلق عينيه، فيستفيد الناس جميعاً: المفسر والأصولي والعرضي والنحوي والصرفي، وغير ذلك من أصناف الناس، أما ليله، فيقول: تركته لله، فكان يقوم من نصف الليل يتهجد إلى صلاة الفجر، أما نهاره فمن طلوع الفجر بعد الصلاة إلى ارتفاع الشمس ضحى يذكر الله، دخل المواعظ، وارتقى المنابر، ورد على الملاحدة والزنادقة، وقاتل التتار، حتى أخذ السيف، وقال: والله لننتصرن اليوم، قالوا: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فانتصروا بإذن الله، حتى سالت الدماء على ثيابه رضي الله عنه ورحمه الله رحمةً واسعةً، ماذا أقول؟ حتى أعجز الكثر من الكتبة الكتابة عنه، وكتب عنه بعض الفرنسيين والإنجليز والأمريكان وهي موجودة في الساحة، شخصية نادرة فياضة، ترك من المؤلفات ما يربوا على ثلاثمائة مؤلف، وفتاويه يقولون: لو جمعت كلها كانت ثلاثمائة مجلد، يكتب في اليوم الكراريس، كتب في} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كررايس هائلة، كان دائماً لا يترك الذكر، قالوا: كيف؟ قال: أنا قلبي كالسمكة إذا خرجت من الماء ماتت، وأنا قلبي إذا ترك الذكر مات.

ممن ترجموا عنه: ابن عبد الهادي، والذهبي وكذلك ابن كثير، وغيره كثير وكثير، رحم الله ابن تيمية، نحن نعجز عن الترجمة عنه، ولكن أسكنه الله فسيح الجنات، قال جولد زيهر - المستشرق المجري من المجر، هاجم الحديث- يقول: وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجَّر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>