للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صفة أبي بكر الخَلْقية

أما صفة أبي بكر، فاسمعوا لصفة الرجل في الجسم، حتى تتصوروا هذا العالم الكبير الذي زكَّاه الله، وتنورت به منابر المسلمين، وأصبح يذكر في كل صباح ومساء.

أخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لها: صفي لنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقالت: [[رجل أبيض -والإسلام لا يعترف بأبيض ولا أسود ولا أحمر {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]- نحيف]] أي: كان هزيل الجسم، وكبر الجسم وصغره لا يضر ولا يهم، المهم القلب، والله عندما ذكر القلوب، قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:١٧٩] وأما الأجسام فإنها قد تكون كبيرة لكنها تكون هزيلة عند الله، أنظر مثلاً إلى جسم عبد الله بن أبي بن سلول، يقولون: كان يكاد أن يصطدم رأسه بسقف البيت، قال الله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] مع العلم أن ابن مسعود كان نحيفاً كالصقر، حتى يقول عليه الصلاة والسلام: {أتعجبون من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده إنهما في الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد}.

[[خفيف العارضين -وكانت لحيته خفيفة - وقيل: كان منحنياً، وقيل: كان متقدم الجبهة، لا يستمسك إزاره يسترخي على حقويه]] من ضعفه إزاره دائماً يرفعه من هنا ومن هنا، هذا الرجل كان ضعيفاً جداً جداً، حتى يقول: {يا رسول الله! إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فهل أنا ممن يجر إزاره خيلاء؟

قال: لست ممن يفعل ذلك} يعني: أعاذك الله، من أين لك الكبر، وأنت سيد من سادات المؤمنين؟!

[[معروق الوجه -أي: نحيف الوجه- غائر العينين -داخلة في رأسه- ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع]] هذه صفته، أي: ما على ذراعيه من اللحم إلا القليل، [[وكان من أكرم الناس]] صحافه تتابعه في بيوته، والأطفال معه يدخلون والمساكين، وكان كثير المال كما سوف يأتي معنا، لكن لا يمسك من المال شيئاً، وآتاه الله من الرزق حلالاً طيباً، وكان من تجار الصحابة، ومع ذلك أعطى الإسلام دمه، وماله، ودموعه، وكل ما عنده، والذي لا يعطي الإسلام في هذه الحياة فالله ليس في حاجة إليه يوم القيامة، وإذا أصبح في القبر فلن يعطي وسوف يموت بغمه وهمه، وماله وبال عليه، وسوف يموت بحسرته.

يقول زهير:

ومن يك ذا مالٍ فيبخل بماله على قومه يستغنَ عنه ويذممِ

هل سمعتم أن أحداً احتاج له الناس فبخل عليهم، فاحتاجوا له مرة ثانية؟ لا، قاطعوه، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن:٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>