للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شجاعة أبي بكر وإقدامه]

أما شجاعته وإقدامه:

فأخرج البزار في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: [[أخبروني من أشجع الناس؟ قالوا: أنت]] وصدقوا هو من الشجاعة بمكان- تصور علي بن أبي طالب إذا أتى يبارز رجلاً في المعركة، يأخذ درعه فيلقيه في الأرض، الدرع الذي يقيه من السيوف، ومن علامة الشجاعة عند العرب أن تبارز وليس عليك درع، وفي حديث حسن بشواهده: {إن الله يضحك للرجل يلقى العدو حاسراً} الله يضحك للمسلم يلقى الأعداء وليس عليه درع.

فكان علي ينزل الدرع، ويقولون: في معركة صفين لما أقبل الأعداء من خصوم علي من أهل الشام، وتفرق جيشه قال: ما هكذا عودنا الأعداء؟

فسل السيف وخرج في الشمس ما على رأسه شيء، وكان في الستين، أو في الثالثة والستين، شيخ كبير، فأخذ السيف قال: والله إن الناس كانوا يفرون منه كما تفر المعزة من الأسد.

[[فقالوا أنت؟ قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، لكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر الصديق؛ إنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله ما دنا منا أحداً إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس الرسول عليه الصلاة والسلام، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه؛ فهو أشجع الناس]].

وقال علي: [[لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يجبهه، وهذا يتلتله عليه الصلاة والسلام]] كان يطوف بالبيت فأخذه أبو جهل بإزاره، فجبذه، وأخذه أبي بن خلف عليه غضب الله، فتفل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الذي قتله الرسول بيده صلى الله عليه وسلم.

[[وكان هذا يتلتله، وكان أبو بكر يبكي حوله، ويقول: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:٢٨]]] أي: ما هذا التعامل؟ سبحان الله هل هناك عجز أن ينزل الله عز وجل ألف ملك يحمون الحرم، وينزل صلى الله عليه وسلم في حرس؟

لا والله، لكن ليتربى الدعاة على هذا المنهج والصالحين.

يتلتل، ويطرد من مكة، ويدخل الطائف، ويرمى بالحجارة، ويقتل أصحابه، ويقتل محبوه، وتكسر ثنيته، ويحبس في الشعب ثلاث سنوات، ويدخل الغار ويلحقونه بالسيوف، وينتصر في معركة، ويغلب في معركة، ويفتقر، ويجوع، ويجعل حجرين على بطنه من الجوع، وهو أشرف الخلق، والله عز وجل قادر على أن ينزل ملائكة، ولله سبحانه القدرة على أن ينفي قريش في لحظة واحدة، لكن ليذوق، وليصبر، وليتحمل، وليرفع الله قدره، وليكون معلماً.

قال: [[وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً؟]] يمسكون الرسول صلى الله عليه وسلم ويتلتلونه في الحرم، ويقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً! لأن كفار قريش كان للواحد منهم ستة آلهة، وسبعة، وثمانية {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥].

قال: [[فوالله ما دنا منا أحد، إلا أبو بكر يضرب هذا، ويجبه هذا، ويتلتل هذا]].

الناس أصدقاء، فإذا وقعت الأزمات ما صفا إلا القليل؛ أي: الناس وقت المجاملة ووقت السعة كلهم أحباب، ولكن إذا حامت الحوائم، وأتت الدواهي، انهدت الصفوف:

جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تجرعني بريقي

جزاها الله مكرمةً فإني عرفت بها عدوي من صديقي

فلما أتى فرَّ كثير من الناس، وبقي أبو بكر يقاتل معه في الحرم ضدهم، قال: [[وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم رفع علي بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته]].

علي بن أبي طالب رفع البردة وبكى، مما تذكر من أبي بكر، ثم قال: [[أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم.

فقال: ألا تجيبونني؟ فوالله لساعة من أبي بكر، خير من ألف ساعة من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه]] {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر:٢٨] أما أبو بكر فما كتم، قام وسط الناس يعلن الإسلام، ويعلن القوة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>