للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رسالة ابن المبارك إلى الفضيل في الجهاد]

قال: أملى عليّ ابن المبارك سنة (١٧٧) وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس، وكان يجاهد فيها هارون الرشيد والمأمون وكان ابن المبارك مقيماً هناك يجاهد العدو وكتب إلى الفضيل يقول:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خَده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

يعرض بـ الفضيل يقول: إن كنت تبكي بالحرم وتسيل دمعوك على خدك فو الله إن نحورنا تسيل بالدماء صباحاً ومساء، أيهما أغلى الدم أم الدمع؟ الدم الأحمر الذي يسيله شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الجبهات، قال:

أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب

خيول المسلمين أصبحت للسباق فقط، أما الجهاد في سبيل الله فالحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه، قال:

ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب

يقول: أنتم بالمجامر في الحرم تدار عليكم البخور والألوة، البخور الكمبودي، أما نحن فالغبار كل صباح من الخيل، وهذا أحسن من بخوركم.

ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لايكذب

لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب

لأن الله لا يجمع يوم القيامة في أنف عبد بين دخان جهنم وغبار في سبيل الله أبداً تظن أن رجلاً خرج في سبيل الله عز وجل ودخل الغبار أنفه أن الله يدخله نار جهنم على أنفه، لا.

قال:

هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب

فلقيت الفضيل بكتابه بالحرم، فقرأه وبكى حتى بله بالدموع وقال: [[صدق أبو عبد الرحمن ونصح]].

وكان ابن المبارك يقول وينشد:

أبإذن نزلت بي يا مشيب

نظر في المرآة وكان شاعراً فرأى الشيب، والعرب يفرون من الشيب، ويبكون منه، ويندمون ويرون أنه نذير الموت، ويقول ابن عباس في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧] قال: [[الشيب نذير الموت]] وقال الإمام أحمد: "والله ما مثلت الشباب إلا مثل شيء كان في يدي ثم سقط منها" قال:

أبإذن نزلت بي يا مشيب أي عيش وقد نزلت يطيب

تعرفون أن الذي يدخله الشيب -خاصة من توغل فيه- لم يعد يجد قوة الشباب، ولا طعم الطعام في الشباب، ولا شرب الشراب في الشباب، ولا المزح في الشباب قال:

وكفى الشيب واعظاً غير أني آمل العيش والممات قريب

كم أنادي الشباب إذ بان مني وندائي مولياً ما يجيب

وكان ابن المبارك يقول:

كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي

شاعر الجهاد اسمع إليه، واسمع إلى العلم كيف يقفز به في قضايا الإسلام! والحرارة في الدفاع عن بلاد الله عز وجل!

كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي

الضاربات خدودهن برنة الداعيات نبيهن محمد

القائلات إذا خشين فضيحة جهد المقالة ليتنا لم نولد

ما تستطيع ومالها من حيلة إلا التستر من أخيها باليد

وكان ابن المبارك يقول وهو يندِّم الناس على فضل أوقاتهم وعلى ماضاع من أعمارهم:

اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا

وإذا ما هممت بالنطق بالـ باطل فاجعل مكانه تسبيحا

فاغتنام السكوت أفضل من خو ض وإن كنت بالكلام فصيحا

اسمعوا ديباجة الأدب والفصاحة المتناهية! وهي فصاحة كسبها من الكتاب والسنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>