للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وفاة ابن المبارك وماله من المبشرات]

لما احتضر ابن المبارك حضرته سكرات الموت وكان على فراش الانتقال إلى الله عز وجل، جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله، فأكثر عليه والسنة إذا لقنت المحتضر لا إله إلا الله ألا تعيدها عليه إلا إذا تكلم بكلام أو أغمي عليه فقل: قل لا إله إلا الله، أما أن تبقى عند رأسه وتقول: قل لا إله إلا الله، قل لا إله إلا الله فلا، ويكفي مرة فإذا قال: لا إله إلا الله فاصبر لأن هذه هي السنة، لأنه في حشرجة وفي هول، وفي ساعة ما مر بالعالم مثلها، الساعة التي يذعن فيها الجبار، ويذل فيها المتكبر، ويضعف فيها القوي ويتوب فيها العاصي، ساعة أليمة سوف نمر بها جميعاً، أسأل الله أن يسهلها علينا وعليكم.

فمن السنة ألا تضجره فإن أمامه هول وفزع وخوف ومشقة، يتذكر صحفه وعمره وسيئاته، ثم تلاحقه: قل لا إله إلا الله قل: لا إله إلا الله.

فأكثر عليه فقال له: [[لست تحسن -يقول ابن المبارك - وأخاف أن تؤذي مسلماً بعدي، إذا لقنتني فقل: لا إله إلا الله ثم إذا لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً فلقني حتى تكون آخر كلامي من الدنيا]] هذه السنة، علمه السنة وهو في سكرات الموت.

وقال محمد بن الفضيل بن عياض: [[رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العمل أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه، قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم.

قلت فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة]] أي: أتت على جميع الخطايا.

وقال: [[سمعت أبا حاتم الفربري يقول: رأيت ابن المبارك واقفاً على باب الجنة بيده مفتاح فقلت: ما يوقفك هنا؟ قال: هذا مفتاح الجنة، دفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض]] هذا ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، وذكره غيره من أهل العلم وقال: [[رأيت الحارث بن عطية في النوم، فسألته فقال: غفر لي، قلت: فـ ابن المبارك، قال: بخ بخ -أي: حسن جميل- ذاك في عليين، ممن يلج على الله كل يوم مرتين]] يزور الله مرتين كل يوم، أي: يرى ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

ورؤية الله ثابتة عند أهل السنة في الآخرة، كل يوم مرتين لأعماله ولخيره ولفضله، ولما جعل الله فيه من الصدق والإخلاص، وعن نوفل قال: [[رأيت ابن المبارك في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن]] أي: اقرأ القرآن كثيراً، عليك بالقرآن لأنه شفيع مشفع عند الله عز وجل ولأنه يقود صاحبه إلى الجنة إذا عمل به، ولأنه شاهد صادق ناطق يوم العرض الأكبر على من قام به آناء الليل وأطراف النهار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>