للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة موسى عليه السلام]

ولد موسى عليه السلام في زمن كان فيه السفاح الملعون فرعون يقتل الأبناء، فأين تخفيه أمه؟ وما قدرة أمه؟ وأين تحميه أمه؟ انقطعت بها الحبال إلا حبل الله، وانتهت بها الحيل إلا الاستعزاز بالله، فأخذت ابنها ووضعته في تابوت وغطته وربطته بالحبل وأنزلته في النهر، تسحبه فترضعه فإذا حست جنود فرعون أطلقته في النهر ومسكت رأس الحبل في بيتها، وسحبت الحبل فجأة وإذا بالحبل مقطوع، أين ذهب الابن؟ أين ذهب الحبيب؟ الله, أين ذهب قرة العين؟

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

إن كان عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا

جلست تبكي وكان قلبها فارغاً وكادت أن تبدي به فربط الله على قلبها فاستأنست، وأين يذهب موسى الطفل الصغير الذي لا يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يتكلم أو يدافع عن نفسه؟ ذهب إلى بستان فرعون من بين سائر البساتين، نهر النيل يدخل في معظم البساتين فترك موسى تلكم البساتين وذهب إلى بستان الطاغية.

يقول أحد العلماء من المعاصرين: سبحان الله! مغامرة مكشوفة أمام العين، بل هي حرب مكشوفة! فيدخل في بستانه وتأخذه الجواري، ويضعونه بين يدي الطاغية المجرم صاحب السيف الذي دائماً يسفك الدماء، وأتى ليقتله ويذبحه ذبح الشاة، قالت امرأته آسية عليها السلام المؤمنة الصادقة التي تعرفت على الله في الرخاء فعرفها في الشدة.

يقول أهل العلم: لما عذبها فرعون، حين أن طلبها أن تشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو كفرت به وقالت: لا إله إلا الله، سمر أياديها في الأرض فما وجدت ألماً، ووضعها في الشمس فأتت الملائكة تظللها بأجنحتها!

يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني

وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني

فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني

فلما رأت موسى أحبته قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:٣٩] قال أهل العلم: ما رآك أحد إلا أحبك.

فأراد أن يذبحه فقالت: قرة عين لي ولك, اترك الطفل عله أن يكون ولداً لنا؛ لأنهما عقيمان، فقال فرعون: قرة عين لكِ أنتِ أما أنا فلا.

قال أهل العلم: لو قال فرعون: قرة عين لي لأقر الله عينه بموسى.

وعاش موسى والله يحفظه؛ لأنه كان من المخلصين، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ودارت الأيام وقتل رجلاً وفر حافياً لا يملك شيئاً، جائعاً، مريضاً، غريباً؛ ولذلك أورد أهل السير: أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وسقى للجاريتين عاد إلى الظل فرفع يديه وبكى وقال: يا رب! أنا مريض، يا رب! أنا غريب، يا رب! أنا جائع، يا رب! أنا فقير، فأوحى الله إليه: يا موسى! المريض من لم أكن أنا طبيبه، والجائع من لم أكن أنا مشبعه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير من لم أكن أنا مغنيه {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] فعاد وتزوج ابنة الرجل الصالح، وعاد في قصة طويلة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>