للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دعوة المظلوم]

قال عليه الصلاة والسلام: {وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم} الكرائم جمع كريمة، يقول: أنت جامع للصدقة وللزكاة فلا تأخذ أحسن الشيء من الغنم والبقر والإبل، فإنها من كرائم الأموال، والكرائم هي النفائس الغالية، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} أي ترتفع إلى الله عز وجل ولا يردها راد.

وهل يفهم من الحديث أن بين الله وبين خلقه حجاب إلا فيما بينه وبين دعوة المظلوم؟

لا.

لأن الله عز وجل له معية سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فمعيته للكافر بالرصد وبالإحاطة وبالمحاسبة وبالمراقبة، ومعيته للمؤمن بالنصرة والتأييد والحفظ والرعاية، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره} سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وهناك فائدة عند كلمة (لا ينام) في سيرة موسى عليه السلام -كما ذكرها أهل التفسير-: أنه كلم الله تبارك وتعالى فقال: يا رب أتنام؟ فقال: يا موسى! لا تنم هذه الليلة، فما نام موسى تلك الليلة، فلما أتت الليلة الثانية قال: يا موسى! لا تنم، فما نام، فلما أتت الثالثة قال: يا موسى! لا تنم فما نام، فلما أتت الرابعة قال يا موسى: خذ قارورتين ثم املأهما ماءً ثم قف هذه الليلة من المساء حتى الصباح ولا تجلس، فوقف موسى عليه السلام وكان ينعس وتكاد تلتطم القارورتان، وعند الفجر لطم بين القارورتين فتكسرتا.

فكلمه الله عز وجل وقال: إني لا أنام ولا ينبغي لي أن أنام، وإني لو نمت لوقعت السماء على الأرض، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٤١].

فهو سبحانه الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، هذه فائدة عند كلمة "لا ينام" ولكن الشاهد في الحديث: "حجابه النور" أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحجبه نور عن خلقه، وإنما هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يراهم، بل يرى النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

قال أهل العلم: أي أخفى من السر الذي ما علمه العبد الذي هو صاحب السر، أنت تريد أن تسر شيئاً وقبل أن تسر شيئاً وقبل أن تدري أنت فإن الحي القيوم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يعلمه، فهذا هو معنى يعلم السر وأخفى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>