للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[واجب الشباب بعد أزمة الخليج]

السؤال

ما واجب الشباب بعد انكشاف الغمة؟ وهل من كلمة إلى الشباب الذين ما زالوا في غفلتهم؟

الجواب

الأمر الأول: في الأمس كان هناك ذكر عن معنى الغمة، وهل الغمة أن تقدم الأمة أبناءها مجاهدين في سبيل الله؟! وهل الغمة أن يستشهد عالم من هذه الأمة المحمدية التي عاشت على الشهادة؟! وهل الغمة أن نواجه المستعمر والطاغية والكافر بالسلاح ونقتله؟! وهل الغمة أن تستنفر الأمة لترفع لا إله إلا الله، ولتجاهد في سبيل الله؟!

لا.

هذا ليس من الغمة، وليس من الغمة أيضاً أن نبني على جماجمنا صروح لا إله إلا الله، فعلى جماجم مصعب وحمزة وخباب وابن رواحة وزيد وجعفر بنيت معالم لا إله إلا الله، لكن الغمة أن تنحرف الأمة عن منهج الله عز وجل، وتعيش خواءً عقدياً، والأمة في معظمهما الآن تعيش خواءً عقدياً، أي أن: العقيدة الحارة التي تعلمها أصحاب صلى الله عليه وسلم لا تعيشها الأمة، وهذه أمثلة:

فالآن تجد الناس يخافون من الناس أكثر من خوفهم من رب الناس، وأنت فكر في نفسك فإنك تلاحظ ملاحظات البشر، ومراقبة البشر، فتتثبت في ألفاظك، وتتأدب في عباراتك، وإذا رآك تتكلم في بعض المسائل نظرت إلى السطح والجدران، وقلت: للجدران آذان، وإلى النافذة والهاتف، بينما تجد أحدنا يغتاب ولا يفكر في الله عز وجل، أو ينم، أو يسمع الأغنية، أو يفعل بعض المعاصي، فرقابة الناس عند بعض الناس أكثر من رقابة رب الناس عندهم.

الأمر الثاني: أنك تجد أننا ندرس حتى في الابتدائية: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} ونقرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:٣٦] مع العلم أننا لا نطبقها إلا القليل، فيوم جاءت الحرب وكانت الأمة في الأزمة، أخذ الإنسان يخاف من ظله، وبعض الناس يموت في اليوم مرات وهو يتحرى هذا الموت متى يأتي، وقرى نائية عن موطن الحدث سترت نوافذها.

وأخذ الحيطة مطلوب، ولكن إلى درجة أن يجعل شبح الموت كأنه قيامة قامت، هذا ليس بوارد.

ثم تجد الإنسان لا يعيش مسألة رعاية الله له وحماية الله له، مثلما عاشها السلف رضوان الله عليهم، وقد ذكرت قصة ابن تيمية فقد قيل -كما ذكر ابن عبد الهادي - أنه في الإسكندرية قالوا: "الناس يريدون قتلك؟ قال: كأنهم الذبان".

وقد قال علي بن أبي طالب:

أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه وإذا ما جاء لا يغني الحذر

ثم وجد أيضاً أن كثيراً من أهل الدنيا يبذلون لدنياهم أكثر مما يبذل أهل الدين لدينهم، وأنا أعرف وأنتم تعرفون أن من عامة الناس من رجال القبائل ومن غيرهم من يقاتل على أرضه ويذبح عليها لتبقى الأرض أرضه:

فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويتُ

ولو بلغت الأمور مبالغها، بينما تجد كثيراً من الأخيار الذين يجاهدون من أجل لا إله إلا الله يتنازلون في أول الطريق، حتى يقول أحدهم: للبيت ربٌ يحميه، والله يحمي الدين، وليس بحاجة إلينا، والله يتولى نصر دينه، وليس في حاجة لنا إلى آخر هذا الكلام، فهو يسلي نفسه، وهذا أمر معلوم.

ثم قلت في المحاضرة: إن كثيراً من الناس، من حملة المذاهب الهدامة يبذلون ويضحون أكثر مما يضحي أهل الخير لدينهم ولرفعة كلمة لا إله إلا الله في الأرض.

بل قد سمعنا من أخبارهم التي يسمونها بطولات، بل مغامرات، وسمعتموهم لما بدأت المعركة يقولون: جئنا نكتب التاريخ من جديد، مع العلم أنهم لا ينتظرون جنة وراءهم، ولا ينتظرون فوزاً ولا شهادة، ومع ذلك يقولون: جئنا نكتب التاريخ من جديد.

إذاً: المسألة مسألة مبادئ.

أما واجب الشباب بعد انكشاف الغمة، فإنني أرى أن يتحول اهتمام الشباب وعواطف الشباب إلى أمور عملية تنفعهم، فقد توجد أمور سلبية في حياة الشباب، ونضرب على ذلك أمثلة:

أنك تجد الشاب يتصل إلى الناس وقت الدعوة فقط، أما تقديم الخدمات، والعون، والوقوف معهم؛ فقليلٌ من يفعل.

تجد الشاب يعيش في الحي ولا يعرفه أهل الحي، يمرض المريض في الحي، ويحتاج المحتاج، وصاحب الغرض، والمسكين، والأرملة، وهو لا يقدم شيئاً من الخدمات، وإنما يرونه يوم الجمعة يلقي عليهم موعظة أو خطبة أو محاضرة فقط، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما ملك قلوب الناس بالخدمات التي قدمها صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثالث: يطلب من الشباب تكثيف سواد المؤمنين في وقت المحاضرات والدروس ومجامع الخير؛ لأنه انتصارٌ للا إله إلا الله محمدٌ رسول الله.

ومن أسرار صلاة الجمعة وصلاة العيد أن يجتمع المسلمون كما في حديث علي عند الترمذي: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من طريقٍ إلى العيد ويعود من طريقٍ آخر} قال أهل العلم: ليرى الناس هذه الكثرة الكاثرة، ويروا الاجتماع، فأرى أن الشباب، ولو كانوا يرون المحاضر أقل منهم علماً، أو لا يستفيدون، أو يسمعون كلاماً هو تحصيل حاصل، لكن حضورهم نصرٌ لهذه المبادئ، ونصرٌ للدعوة، وتأليف لقلوب المؤمنين، وإغاظة للمنافقين.

ومن واجب الشباب كذلك: أن يقوم كلٌ بحسبه، وبطاقته، فإن بعضهم يجيد الكتابة، وبعضهم يجيد التأليف، وبعضهم يجيد الخطابة، وبعضهم يجيد التحدث، وبعضهم يجيد الدعوة العلنية، وبعضهم يجيد الدعوة الفردية، كلٌ فيما يخصه، فعلى الإنسان ألا يتقلد دوراً غير دوره، بل يبذل ما يستطيع هو بذله، ثم تتضافر الجهود كما فعل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فليس أصحابه كلهم خطباء، وليسوا كلهم مفتين، ولا علماء، ولا ساسة، ولا قادة، ولكن كلٌ في موضعه.

أيها الإخوة الفضلاء: بقيت كلمة للنساء، وكل ما سبق من حديث يشمل النساء، فرسولهن رسولنا، ورسولنا رسولهن، والمنهج واحد، والكتاب والسنة لنا جميعاً: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران:١٩٥].

ولكن ربما تنفرد النساء ببعض المسائل، ومن أعظم ما تطالب به المرأة الآن أن تتحصن بالإيمان أمام هذه المغريات، وأمام هذا الزحف الكافر الذي قصد المرأة، وتآمر عليها، وجعلها طريقاً لهدم هذا الدين، ومن أعظم الفتن والمداخل على العالم الإسلامي: فتنة المرأة، بل قد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وكانت فتنة بني إسرائيل في النساء} وما سقط كثير من الناس ولا كثير من المبادئ إلا عن طريق النساء وعن طريق المرأة.

وهذا الذي هاجمنا به العالم الشهواني الغربي، يوم هاجمنا العالم الشرقي بالإلحاد والزندقة، هاجمنا العالم الغربي بالكأس والمرأة الفاتنة والأغنية الماجنة والموسيقى والمجلة الخليعة والفيديو الهدام، فكان من أعظم الفتن ومن أشدها فتنة النساء.

فأنا أطالب من أختي المؤمنة أن تتحصن بالإيمان، وأن تستظل بمظلة لا إله إلا الله، ويكمن ذلك في أمور:

الأمر الأول: الحجاب الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليها أن تتصور أنه عفاف وستر، وأنه كرم لها وليس حجراً عليها، وليس شيئاً من الضيق، وليس تقليلاً من قيمتها، بل جعلها الإسلام درةً في صدف، وشمساً في غمامة، وريحانة في باقة، وهذا هو من مقاصد الإسلام.

الأمر الثاني: أرى أن يكون لها بذلٌ في عالم الدعوة؛ فتنشر الرسائل والأشرطة، وتتصل بأخواتها، وتحمل هموم الدعوة في مجالسها الخاصة والعامة؛ لأن المرأة أسمع لكلام المرأة من المرأة للرجل، وهي أقرب اتصالاً بالنساء.

الأمر الثالث: أن تجعل مجالسها في ذكر الله وما يقربها من الله، وتبتعد عن جليسات السوء، وعن التشبه بأعداء الله عز وجل من الكافرات والفاسقات.

ثم أطالب المرأة أن تجدد توبة نصوحاً لله عز وجل، وأن تطلب من الله عز وجل أن يجعلها من عتقائه من النار، وأن تعرف أنها فرصة وحيدة قد لا تتكرر مرة ثانية.

وأشكركم على حسن إصغائكم، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>