للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إنكار العاص بن وائل للبعث]

هذا المجرم هو العاص بن وائل , أثمر الله ماله, وأصح جسمه, وأعلى شأنه في الدنيا, ولكن كفر بلا إله إلا الله, أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بعظم بالٍ ففته وحته ونفخه أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {يميتك الله ثم يبعثك الله ثم يدخلك الله النار} فيقول الله له: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:٧٨] أتى يضرب لنا الأمثال, نسي مكرماتنا, ومعروفنا, وجميلنا ونعمنا, وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم.

{وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:٧٨] من الذي أنشأه من العدم؟ من الذي أغناه من الفقر؟!

من الذي أمشاه على رجليه؟

{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠] فما له نسينا اليوم؟

هذا العاص بن وائل قتل في بدر كافراً بالله العظيم, أتاه أحد الفقراء من المسلمين وقد عمل له عملاً واشتغل له شغلاً فقال له الفقير: يا أبا عمرو!! أعطني أجرتي؟ قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم.

قال: أتؤمن أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم.

قال: -وهو يضحك يستهزئ- فإذا بعثني ربي من قبري وعندي كنوز من الأموال فأحاسبك في ذلك اليوم وأعطيك أجرتك, فقال الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:٧٧ - ٨٠].

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٩].

والله لنبعثن كما نستقيظن حفاة عراة غرلاً بهما كما بدأنا أول مرة يعيدنا قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤] نخرج من قبورنا مذهولين خائفين وجلين إلا من رحم الله, ولا يأمن من مكر الله وعذابه ولعنته إلا من أمنه الله.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠١ - ١٠٤].

صح عنه صلى الله عليه وسلم: {أن الإنسان بعد أن يخرج من قبره ويقف في أرض المحشر، فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه, ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه, ومنهم من يبلغ حقوه, ومنهم من يبلغ حنجرته, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فلا يتكلم} قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٧ - ٢٨].

{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:٧٩ - ٨٠].

قال أهل العلم: الشجرة بذرة -كما تعرفون- أنبتها الله ورعرعها بالماء ثم يبست ثم أصبحت حطباً يوقد به في النار, وقال بعضهم: المرخ والعفار شجر في الحجاز إذا ضربت هذا بهذا وهو أخضر انقدح ناراً, فمن الذي قدح النار منه؟ ومن الذي جعل آيات الكون قائمة أمام الأعيان؟ أليس هو الذي يعيدنا يوم العرض الأكبر؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>