للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موقف أهل العلم من الصفات]

وابن تيمية يذكر في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وغيره من أن الصفات عند أهل السنة على أربعة أقسام:

١ - صفات نثبتها لله بإطلاق.

٢ - صفات ننفيها عن الله بإطلاق.

٣ - صفات نثبتها مقيدة.

٤ - صفات نستفصل فيها.

- فأما الصفات التي نثبتها لله مطلقاً: فهي الصفات التي أثبتها ربنا لنفسه أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام: مثل: الحكيم، العليم، الواحد، الأحد وأمثالها، فهذه نثبتها لله مطلقة.

وأما الصفات التي ننفيها مطلقاً: فهي ما نفاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن نفسه ورسوله عليه الصلاة والسلام مثل: (السهو، والنسيان، والغفلة، والنوم، والحاجة، والولد، والصاحبة) فهذه ننفيها مطلقة.

- وأما الصفات التي نثبتها مقيدة: فالتي ذكرها الله في القرآن مقيدة مثل قوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:٧٩] فنقول: الله يسخر ممن يسخر منه، ولا نقول: ساخر، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:١٥] فنقول: "الله يستهزئ بمن يستهزئ به" مقيدة، ولا نثبتها مطلقة، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] فنقول: "الله يمكر بمن يمكر به" مقيدة؛ لا أنه يمكر دائماً، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢].

"فالله يخدع من يخادعه وليس يخدع مطلقاً.

وانظر إلى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٧١].

ولم يقل: (فخانهم)؛ لأن الخيانة صفة نقص، سواء أطلقت أو قيدت؛ فلم يأتِ بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فليعلم ذلك.

وهذه قاعدة تكتب بماء الذهب، وبيَّض الله وجه شيخ الإسلام يوم حررها.

- أما الصفات المستفصل فيها كصفة الجسم أو الجوهر أو التحيز فنقول: ماذا تريد بها؟ فلو قال مثلاً لنا قائل: "الله مهندس الكون" فلا نقول: لا، ولا نقول: نعم؛ وإنما نقول: ماذا تريد بكلمة (مهندس الكون)؟ فإن قصد بكلمة (مهندس الكون) أنه بنى الكون وشيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنقول: صدقت وأحسنت؛ لكن استخدم غير هذه العبارة، قل: الذي خلق السموات والأرض، قال عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:١١٧].

وإن كان يريد بكلمة (مهندس الكون) مثلاً أنه شارك في خلق السموات والأرض -سبحانه جل عن الند والمثيل- أو قصد مشابهته بمهندس الدنيا؛ فنقول: لم تحسن في هذه العبارة لا مقصداً ولا لفظاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>