للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صيانة القلب عن الشهوات والشبهات]

ومن حفظ الله: حفظ العبد لقلبه، أن يحفظه من الشهوات والشبهات، فهذه المضغة إذا ضاعت منك ضاع كل شيء، وقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {التقوى هاهنا} وفي الحديث الصحيح: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} القلب إذا أصلحته بالذكر وبطاعة الله؛ صلحت اليد والعين والسمع والرجل والبطن والفرج، فأصلح قلبك: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٩] قالوا: القلب السليم الذي لم تداخله شهوة ولا شبهة، وقالوا: القلب السليم الذي ليس فيه إلا الله، وقالوا: القلب السليم هو القلب الذي امتلأ بلا إله إلا الله محمد رسول الله.

وقال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] من يؤمن بالله يهد قلبه، من يسجد لله يهد قلبه، من يأت إلى المسجد يهد قلبه، ومن يرفع يديه إليه يهد قلبه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

فالهادي هو الله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣] فو الله لا يجعلك الله وأنت تأتي لمثل هذه المجالس والدروس والمحاضرات والخير والذكر كمن أعرض وجلس في مقاهي اللغو والزور والفاحشة، ومع الغناء الماجن ومع كل قول رخيص، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦].

فإذا أتيت الله وأنت تمشي أتاك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يهرول.

فمن حفظ العبد لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظ قلبه من الشبهات والشهوات، فيسلم قلبه لله، ويملأ قلبه بحب الله وذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ليهديه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل، قال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧] وكل الناس لهم قلوب، لكن هنا (قلب) نكَّره، أي: قلب فاهم فقيه مبصر {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:١٩] ولذلك لام الله قوماً ما استفادوا من جوارحهم فقال فيهم: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>