للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صورة من حياة السلف الصالح في تيسير الزواج]

سعيد بن المسيب أحد الصالحين من علماء السلف الصالح، كان من علماء الدنيا بل هو عالم الدنيا في عصره، كان عنده ابنة حفظها كتاب الله فحفظت كتاب الله كله، كانت مفتية مثل سعيد بن المسيب، ومن أجمل النساء، تقدم لها ولي خليفة المسلمين الوليد بن عبد الملك يخطبها فرفض سعيد بن المسيب، قال: أعطيك نصف الملك، قال: والله لو تعطيني الدنيا وما فيها، الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتعطيني نصف جناح بعوضة! قال: ولم قال: إذا سلمت ابنتي لك أسمعتها الغناء والمعازف ونسيت كتاب الله.

إن حياة أمراء بني أمية وبني العباس معروفة، لهذا رفض ذلك، فلما أتى فقير من تلاميذه لا يملك إلا درهمين، قال له سعيد بن المسيب أين تأخرت يا فلان؟ قال: كنت عند زوجتي أمرضها، مرضتها ثم ماتت فجهزتها ودفنتها وأتيت، قال: هل لك من زوجة؟ قال: لا.

قال: هل عندك مال تتزوج به؟ قال: والله ما عندي إلا درهمين، قال: فآتي بالدرهمين، فقال له: أترضى أن أكون صهراً لك؟ فانذهل ولم يصدق، كيف يصاهر سعيد بن المسيب عالم الدنيا، قال: هات الدرهمين، فأخذها وكتب له عقد وسلمها له بعد مغرب تلك الليلة، ولم تكن وليمتهم إلا شيئاً من خبز الشعير، وشيئاً من الزبيب، قال: فلما دخلت عليها وجدتها حافظة لكتاب الله تعالى، عالمة فقيهة محدثة، تقوم الليل وتصوم النهار، فهذا هو تقوى علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

الرسول عليه الصلاة والسلام زوج فاطمة فانظروا إلى مراسيم الزواج، ومن هي فاطمة؟ يقول محمد إقبال شاعر باكستان:

هي بنت من؟ هي أم من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها

أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها

وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيف غدا بيمينه تياها

أبوها محمد صلى الله عليه وسلم، وابنها: الحسن والحسين، زوجها: علي، فما هو مهرها؟ وكيف زفت من بيت أبيها إلى بيت زوجها؟ انظروا إلى مراسيم العرس:

يقول علي: أردت أن أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج من فاطمة -الإمام المرتضى أبو الحسن الذي يضرب رءوس الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر كضرب الصرام أو كضرب رءوس الشعير، أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: فلما دخلت البيت أردت أن أحدثه بالزواج من فاطمة، فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم فأصاب وجهي الخجل والحياء والرهبة، فما استطعت أن أتكلم بكلمة، مع من يتكلم؟ مع سيد الخلق، شفيع الناس، وجهه كان كالقمر ليلة أربعة عشر، إذا رآه الشخص أخذ يرتعش كأنه أصابته حمى، كما جاء أن أحدهم دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى وجه الرسول، ورأى هيبته أخذ ينتفض ويرتعش، قال صلى الله عليه وسلم: {هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة} يقول صلى الله عليه وسلم: إن أمي كانت تأكل القديد بـ مكة، القديد: اللحم المشوي الذي يشوى في الملح ويعلق بالحبال، كأنه يقول: إن أمي كانت فقيرة وأنا فقير، أنا لست من السماء، وهو أشرف من ملائكة السماء، لكنه تواضع، ونحن نقول: صدقت أنت ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكنك حولت العالم، وابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكنك أنت من فتح من السند إلى الهند إلى أسبانيا بلا إله إلا الله، ابن امرأة كانت تأكل القديد بـ مكة لكن دعوتك سارت في أنحاء المعمورة، وأنت شفيع الناس يوم القيامة، قال علي: فلما أتى بي من الخجل والهيبة والحياء مالا يعلمه إلا الله سكت، فتبسم عليه الصلاة والسلام.

لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد

{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] قال يا علي: كأنك تريد فاطمة قلت: نعم يا رسول الله! قال عندك مال -وهو يدري أنه ليس عنده شيء- علي بن أبي طالب الذي ضرب رءوس الجبابرة أبوه شيخ الأباطح ليس عنده من الدنيا شيء! كان ينام على صوف الخروف، ينام عليه في الليل ويلتحف به بالنهار، قال له صلى الله عليه وسلم: أعندك مال؟ قال: ليس عندي شيء يا رسول الله! قال: تذكر، قال: والله ليس عندي درهم ولا دينار ولا تمرة، أو حبة، أو زبيبة أبداً، قال: تذكر هل عندك شيء من السلاح، قال: عندي درع لا تساوي درهمين ألبسه في المعركة قال: هاته، فذهب وهو خجول رضي الله عنه وانتزعه من بيته، وأتى به ووضعه عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا مهر فاطمة، فقال صلى الله عليه وسلم: قد قبلت، قال: وهل قبلت يا علي؟ قال: قبلت، قال صلى الله عليه وسلم: وفاطمة زوجة لك، فذهب بها إلى البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: اصنع مأدبة عشاء.

قال: ليس عندي شيء يا رسول الله، قال: اذهبوا إلى بيوت أمهات المؤمنين، وكان عنده صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، وكان كل امرأة في غرفة صغيرة إذا نام صلى الله عليه وسلم وصل رأسه طرف الغرفة ورجلاه في الطرف الآخر، فقال: اذهبوا والتمسوا شيئاً، فذهبوا إلى أم سلمة ووجدوا عندها بعض أقراص الخبز، ثم ذهبوا إلى عائشة فقالت: لا.

والله ما عندنا شيء، ثم ذهبوا إلى زينب فقالت: ووجدوا عندها شيئاً من الزبيب، ثم ذهبوا إلى امرأة أخرى، وكان معها شيء من لبن، فلما جمعوا من هذه الأشياء البسيطة، قال صلى الله عليه وسلم: هاتوا لأدعو عليه بالبركة، لأنه مبارك عليه الصلاة والسلام، ينفث على الطعام فيزيده الله، نفث على الشراب الذي لا يملأ كأساً فكفى ثمانمائة مقاتل، فتوضئوا، واغتسلوا، وسقوا خيولهم وغنمهم وبقرهم وإبلهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>