للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان بركة النبي صلى الله عليه وسلم]

يقول جابر: رأيته صلى الله عليه وسلم وهو يحفر خندق المدينة، يطوقه ضد اليهود والمشركين حتى لا يقتحموا المدينة، قال: فأتيته فإذا به من الجوع ما لا يعلمه إلا الله، قال: فلما رأيت الجوع بوجهه، أتيت إلى زوجتي، وقلت لزوجتي: أعندك شيء من طعام؟ قالت: عندنا عناق -ولد الماعز- ومد من شعير، قلت: اطحني الشعير وأنا أذبح هذا العناق، وأسلخها وأضعها في القدر على البرمة، وطحنت الشعير، وأقامت منه طعاماً، وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يحفر ومعه ما يقارب من سبعمائة مقاتل، كلهم جياع، فوقع على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أريدك بكلمة، قال: ماذا تريد؟ قال: تعال أنت واثنان معك أو ثلاثة، قال: فقام صلى الله عليه وسلم فوضع المسحاة من يده، وقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحيهلا بكم.

قال جابر: فأخذني من الخجل ما قرب وما بعد، أريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان فقط وأتى بسبعمائة، قال: فمضيت وأنا لا أدري ماذا أفعل، قلت: لعله لم يسمعني، أو لم يفهمني صلى الله عليه وسلم، قال: فسبقت إلى زوجتي، وقلت: الويل لك، قالت: وماذاك؟ قال: قلت للرسول صلى الله عليه وسلم يأتيني باثنين أو ثلاثة، فصاح بأهل الخندق كلهم فأقبلوا، قالت: -وكانت عاقلة- الله ورسوله أعلم.

فأتى صلى الله عليه وسلم، والتفت جابر وإذا بالصحابة مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، مئة بعد مئة، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدري أن قلب جابر أخذ يحترق، فقال: يا جابر! لا تنزل الطعام عن البرمة، ولا تنزل اللحم من القدر، اتركها في برمتها، قال: سمعاً وطاعة يا رسول الله! ثم أتى عليه الصلاة والسلام إلى القدر، وفيه اللحم فبصق عليه، وبصاقه بركة، فقال: بسم الله اللهم بارك! بسم الله اللهم بارك! باسم الله اللهم بارك! ثم أتى إلى هذه البرمة، فدعا بالبركة، ثم قال: يا جابر أدخل الناس عشرة عشرة، فدخل عشرة فأكلوا وقاموا، ثم عشرة ثم عشرة ثم عشرة حتى أكل جميعهم -السبعمائة- فلما قاموا وانتهوا بقي الرسول صلى الله عليه وسلم وجابر فأكلا، قال جابر: والله لقد تقدمت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بحالها ما نقص منها لقمة، فأخذ عليه الصلاة والسلام يتبسم ويقول لـ جابر وهو ينظر إليه: أشهد أني رسول الله -وأنا أقول: أشهد أنك رسول الله، وأنك صادق أمين، مبارك، وأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة.

الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في طعام علي وفاطمة فكفى الناس بإذن الله، وأتى علي وفاطمة ينشئون بيتاً جديداً على ذكر الله.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي وسط الليل ويذهب إلى علي وفاطمة لأن غرفتهما قريبة من غرفته، فيوقظهم لصلاة الليل، جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام: قام وطرق على باب علي، وقال: ألا تصليان؟ ثم عاد صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل، فما سمع فتح الباب؛ لأن الذي يقوم من الليل يفتح الباب ويتوضأ فلم يسمع فتح الباب، فعاد صلى الله عليه وسلم فضرب الباب، فقال: ألا تصليان؟ فقام علي يعرك النوم من عينيه، ويقول: إنما نفوسنا بيد الله إن شاء قبضها وإن شاء أرسلها، فأخذ صلى الله عليه وسلم يضرب على فخذه ويقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤].

أتت فاطمة إليه، وقالت: يا رسول الله! طحنت بالرحى حتى تشققت يدي، وكنست البيت حتى اتسخت ثيابي، وحملت الماء حتى لوي ظهري، فهل لي من خادمة تخدمني من السبي؟ فأتى إليهما، وقال: ألا أدلكما على خير من خادم وخادمة؟! قالا: بلى.

يا رسول الله! فقال: سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وأحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرا الله أربعاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم وخادمة.

الأمر الثاني: على المسلم ألا يكلف رحمه وصهره من الدنيا إلا قدر طاقته: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

كيف يشق الإنسان على صهره ورحيمه فيطلب منه المهر ما يكلف عليه، فيستدين فيضطر إلى الدين، ويأخذ أموال الناس وتدخل ابنتك عليه وقد أصبح فقيراً، يبيع بعض أملاكه.

والله لقد سمعت أن بعضهم يقول: لقد كلفني الزواج ما يقارب مائتي ألف، ويبقى مديناً، ويظل يقضي دينه ما يقارب من ست أو سبع سنوات، وتبقى هي فقيرة في بيت هذا الفقير، هذا ليس من الأخلاق، وأين الرفق والرحمة؟

ما دام ربطك الله بهذا الرجل معناه: أن الله اختاره لك واختارك إليه، الدنيا تذهب وكذلك المال والذهب والفضة، ولا يبقى إلا تقوى الله عز وجل.

الثالث: ينبغي ألا يغال في الزواجات، ولا يسرف فيها، ولا يكون رياءً وسمعة؛ لأنه وجد من الزواجات أن يجمع لها الشعراء ثم يعطوهم الأموال الطائلة مقابل أشعارهم، وهذا حرام، من سلم ماله للشاعر سواء كان المتزوج أو أبو البنت أو قرابة المتزوج أو قرابة أبو البنت.

حرام أن يعطوا أموالهم لهؤلاء الشعراء لأنهم لا يتقون الله ولا يرضونه، والشعراء ليس همهم إلا مدح هذه القبيلة وسب تلك القبيلة، وهذا الصرف حرام، ولايجوز، وقد أفتى العلماء فيه مراراً وتكراراً في فتاوى شفوية ومكتوبة، وهؤلاء الشعراء الذين يأخذون هذه الأموال لا يجوز لهم أكل أموال الناس بالباطل، كيف يأخذه؟ هل فعل خيراً؟ هل قدم شيئاً لهذه الأمة؟

ما هي النتيجة والثمرة التي قدمها للناس؟ فقط أنه يمدح هذه القبيلة، وأنهم فعلوا وأنهم انتصروا، كلها حروب جاهلية، مسلم على مسلم، وقبيلة مسلمة على قبيلة مسلمة، أو يتكلم في النساء وقد سمعنا من الشعراء من يتغزل بنساء الناس في الحفل، واستقدام هؤلاء الشعراء محرم ولا ينبغي للمسلم أن يعطيهم أجرة، وإذا غلب في ذلك فليأتِ الشاعر وليس له إلا التراب، يتكلم بما شاء من القصائد، فإذا طلب منا أجرة قلنا له هذا الجبل خذ منه ما تشاء، وليس له شيء، وكذلك أخذ المغنين والمغنيات وهذا موجود في المدن، لكن نخشى أن تصل هذه إلى القرى، أو تتدهور القرى حتى تصل مثل بعض المدن، تأتي بمغنية أو بمغني وهؤلاء المغنين أو المغنيات والمطبلين والمطبلات، الأحياء منهم والأموات، فعلهم يغضب رب الأرض والسماوات، ولا يجوز أبداً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>