للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلم نقطة كثرها الجاهلون]

كان السلف بأصالة علمهم؛ لا يبعثرون المسائل، علمهم قليل لكنه مفيد نافع، تسأله محاضرة كاملة عن سؤال فإذا انتهيت قال: نعم.

أو لا.

فإذا قلت: ما هو الدليل؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم فعل كذا، وقال الرسول صلى الله عليه سلم كذا وكذا.

وعند السيوطي رسالة في أن العلم نقطة، قال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[العلم نقطة كثرها الجاهلون]] العلم قليل كالجوهر والمسك:

فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال

الغزال دماؤه كثيرة توزن بالكيلو غرامات، لكن فيه غدة درقية يخرج منها المسك؛ فكلام الناس كدم الغزال، والمسك الذي فيه كالعلم.

ولذلك يقول حماد بن زيد: الحمد لله والشكر على كثرة العلم.

حماد بن زيد؛ من رجال البخاري ومسلم، اسمه حماد بن زيد بن درهم.

وحماد بن سلمة؛ من رجال مسلم لا من رجال البخاري.

ولذلك ترى ابن حبان ينزل نزولاً جوياً على البخاري ويقول: لماذا لا ترو عن حماد بن سلمة، والإمام أحمد يقول: لن تزيدنا الأيام في حماد بن سلمة إلا بصيرة.

ومعذرة فهذا الاستطراد لا بد منه، وهو من سير القوم!!.

اسمه: حماد بن زيد بن درهم، وحماد بن سلمة اسمه: حماد بن سلمة بن دينار.

قيل لأحد السلف: أيهما أفضل حماد بن زيد بن درهم أو حماد بن سلمة بن دينار؟

قال: الفضل بينهما كما بين جديهما في الصرف، الدينار عشرة دراهم فمن يفضل من الحمادين؟ حماد بن سلمة.

ذكر الذهبي في المجلد الثامن من سير أعلام النبلاء أن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأة، ولم ينجب ولداً؛ قالوا: لأنه من الأبدال والأبدال لا ينجبون.

وكان فيه تقوى من الله عزوجل، يقول الذهبي رحمه الله: كانت حياته معمورة بالطاعة، لا يحدث حديثاً واحداً حتى يقرأ مائة آية، وإذا جلس وحده جلس يسبح ويستغفر، وإذا مشى إلى المسجد لا يماشي أحداً من زملائه لئلا يشغلوه في الكلام.

قال حماد بن زيد ل أيوب بن أبي تميمة السختياني: كثر العلم.

وأيوب هذا علم في رأسه نار.

يقول الإمام مالك: ما كنت أظن في أهل العراق خيراً، حتى رأيت أيوب بن تميمة السختياني أتى يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف.

كان أيوب بن أبي تميمة السختياني إذا نزل إلى السوق هلل الناس وكبروا حتى يرتج السوق؛ لأنه من الذين إذا رؤوا ذُكِرَ الله.

قال عنه ابن كثير والذهبي: إذا حدث بالحديث بكى فيمسح عينيه وأنفه ويقول: ما أشد الزكام؛ ليوهم الناس أنه مزكوم، قال ابن الجوزي معلقاً على القصة:

أفدي ظباء فلاةٍ ما عرفن بها مضغ الكلام ولا مزج الحواجيب

هذا البيت للمتنبي يقول: أفدى بروحي، وهو يفديهم بروحهم من لا يعرفون التكلف في الكلام ولا في العطاء.

أيوب هذا قال له حماد: كثر العلم يا أبا تميمة.

قال: لا والله ما كثر العلم، ولكن كثر الكلام وقل العلم.

قال ابن القيم في الفوائد معلقاً: فانظر إلى هذا الحبر، كيف فهم أن العلم قد قل وكثر الكلام.

أصالة علم السلف تنطلق من أمور؛ منها تحديد مسارهم في العلم، فهم ليس عندهم إلا آية وحديث؛ نحن عندنا علم سند، ومصطلح، وأصول فقه، وعلوم قرآن، وجغرافيا، وتاريخ، وتربية، وعلم نفس، فإذا خرج إنسان سُئِلَ في مسألة؟ قال: لا أدري، هل هي في كتاب عنترة بن شداد أو في كليلة ودمنة، أو في البخاري، أو في القرآن.

هذا علم الخلف؛ علم الخلف يدري أنه لا بد أن يشغل وقته وعمره في منتجات أسبانيا، ماذا تصدر من ككاو وأناناس؟ وما هي عاصمتها؟ وما هي المحاصيل فيها؟

هذا علم يبكي القلوب، كيف يصبر أهل الجغرافيا ولا يبكون في الفصل! نحن لا نزري بهم جزاهم الله خيراً فقد أفادونا وعلمونا أن عاصمة الكويت الكويت وتونس تونس، ولا نستهين بعلم أحد من البشر؛ فعلمهم مطلوب.

لكن المطلوب أن يكون المحور هو القرآن والسنة، وعلم التاريخ المتأخر علم جميل، سليمان فرنجية ما ندري متى ولد حتى أخبرونا في المذكرات، هذا اللبناني تولى الحكومة بعد صائب سلام، وولد في عام كذا وكذا، وهذا علم جليل شريف، وأخبرونا كذلك أن زنوبيا الزباء يأخذها من تدمر قبل الإسلام، فإذا مروا بالرسول صلى الله عليه وسلم مروا مرور السحاب.

الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ميلاده، هجرته من مكة إلى المدينة، بناته أربع، هذا رسول البشرية تتحدث عنه بهذا الكلام، معلم الإنسانية الذي يحتاج إلى مجلدات وجلسات ومصنفات تمر عليه فإذا أتيت إلى زنوبيا أخبرتنا بـ الأبرش ماذا فعل بها وماذا فعلت به، وحروب داحس والغبراء، وينتقلون عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي حتى يصلون إلى السلاجقة، ثم يدخل إلى هتلر والحرب العالمية، ومن يقرأ يجد بعض كتب التاريخ تتحدث في الحرب العالمية أكثر من حديثها عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته.

فلا نعيب علماً حاشا وكلا، لكن العلم إذا لم يرتبط بقال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فهو علم قِدْر أو علم طبخ (فن الطبخ) هذا أمر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>