للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رأي الشيخ في مجموعة من الشعراء]

السؤال

ما رأيك في هذه الشخصيات: أبو العلاء المعري، بشار بن برد، الجاحظ، محمد عبده الإمام، عبد الله بن المقفع؟

الجواب

أبو العلاء المعري ذهب إلى الله وقد ترجم له الذهبي وابن كثير وأبو العلاء أعمى القلب والبصر، رهين المحبسين، ما تزوج، ولا كان يأكل الحيوانات مثل الدجاج، يأكل النباتات فقط، فيلسوف، يقول: عذاب وحرام أن يعذب الإنسان الدابة، كيف يذبح الشاة ويأكل منها؟!

انظر إلى العميل الخسيس! متخلف! الله يبيحها وهو يقول: لا، حرام، لا يأكل إلا بطاطس وعدس! يصبح على بطاطس ويمسي على فول! حتى أصبح عقله مملوءاً بالكفر والزندقة، وهو شاعر مجيد من الدرجة الأولى، حتى ترجم له الذهبي قال: وله تلك الأبيات المشهورة يقول فيها:

يا راقد البرق أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعواناً على السهر

وإن سقيت بلاداً من بني مطر فاسقِ الأواهل حياً من بني مطر

ما سرت إلا وطيف منك يتبعني يمشي أمامي وتثويباً على أثري

يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر

يقول: يريد المحبوب مع حبيبه أن ظلام الليل يدوم وأنه يعطى من سواد العين؛ ولذلك ابن القيم كلما مشى صفحتين في بعض الكتب قال:

يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر

فهي له، وليته اكتفى بهذا فهو شاعر، يقول في قصيدته:

غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شادي

وسواء صوت الشدي إذا قيس بصوت النعي في كل نادي

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد

كلام عجيب! لكن ليته سكت لكنه تفوه بالكفر والنفاق والزندقة.

يقول: إذا أخطأ الإنسان وقطع يد آخر فهي بخمس مئتين دينار ذهب، فإذا سرق تقطع في ربع دينار.

قال:

يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار

يا خسيس، تستعيذ بعدما كفرت؟! تناقض الشريعة وتقول: نستعيذ بمولانا من النار؟

فرد عليه علماء أهل السنة مثل القاضي عبد الوهاب المالكي -بيض الله وجهه- يقول في قصيدة يدمغ هذا الفاجر:

قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري

لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ شرائع الدين لم تقدح بأشعار

وذهب إلى الله وقد استهزأ في أبياته، ورئي في منامه كما ذكر بعض أهل العلم أن عليه حية لما دفن، فأخذ رأسها بلسانه وذنبها أخذ بفرجه، وهذا من عذاب القبر وسوف يلقى ما قدم، ولا أدري هل تاب أم لا.

أما الاستهزاء فوالله لقد ملئ ديوانه بالاستهزاء والاستهتار، وقد كان ذكياً لكن لم يكن زكياً، أكل مشمشاً -وقد كان أعمى- فوقعت قطرات على صدره فقال له رجل: أكلتم مشمشاً اليوم؟ قال: قبح الله العمى؛ عرف أنه وقع على صدره شيء.

ذكر الذهبي أنه نام على سرير قال: ارتفعت السماء قدر درهم أو ارتفعت الأرض قدر درهم، فبحث فوجد تحت فراشه درهم، وأظن أن هذه من كذبات الصنع، بعض الكذبات باستطاعتك أن تجبرها لكن بعضها لا تجبر، لكنه على كل حال زنديق إن لم يتب.

أما بشار بن برد فهو شعوبي، فيدرالي، دكتاتوري، يسعى إلى التمييز العنصري، هو ينادي دائماً بـ الشعوبية ويبغض العرب، هو شاعر وهو صاحب:

إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم

يقولون: سمع هذا البيت رجل في المدينة فبقي طول الليل ينشد هذا البيت قال: ليتني أجد هذا الرجل، والله لأسافرن له، أين هو؟ قالوا: في بغداد؛ فركب دابته وتوجه إليه فاقترب منه فقال: أين بشار؟ قالوا: في هذا البيت.

فدخل عليه فوجده مفلطخاً على فراشه كالثور، قال: يا عدو الله أنت الذي تقول:

إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لا نهدم؟

قال: نعم.

قال: كيف تقول هذا؟

قال: أما يقول الله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:٢٢٤ - ٢٢٦]؟

وهو الذي يقول:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا

وشعره جميل لكنه شعوبي، واتهم بشيء من النفاق، ومات كما يموت التيس الأعمى في السفينة فذهب إلى الله.

أما عن الجاحظ: فهو يقود فرقة الجاحظية، وهو خطيب المعتزلة وخطيب هذه الفرقة الجاحظية وأهل البدعة، وخطيبنا نحن أهل السنة هو ابن قتيبة.

يقول ابن تيمية: خطيب أهل السنة ابن قتيبة وخطيب المبتدعة الجاحظ، له كتاب الحيوان من أحسن ما يكون، وله كتاب البيان والتبيين، ذكي؛ لكنه استخدمه في بدعة، وبدعته الله أعلم بها، لكن نسأل الله أن يعافي من مات مسلماً.

صورته مشوهة، كان جاحظ العينين، عيناه تكاد أن تخرجان من رأسه، وعنده شعر في حواجبه بكثرة، حتى أتت امرأة إلى صائغ يصنع الخواتم فقالت له: أريد أن ترسم على خاتمي الشيطان.

قال: أين الشيطان، ما رأيته؟ قالت: انتظر قليلاً، فذهبت إلى الجاحظ فقالت له: إن بائع الختم يريدك في غرض، فأتت به بيده فقالت له: مثل هذا! وهو على كل حال أجاد في الكتابة، وقد أثرت مدرسته الأدبية في كثير من الكتاب مثل المازني والرافعي تأثرا به في بعض النواحي، والشيخ علي الطنطاوي متأثر به في بعض الكتابات، فقد كون مدرسة أدبية، لكن العقائد والدين لا تؤخذ منه، وهو أديب هزلي.

الشخصية الرابعة: محمد عبده الإمام؛ الإمام لأنه لو لم يذكر السائل الإمام أخرج مطبلاً آخر، لا نتكلم عنه ولا نتكلم على الناس، علمهم عند ربي ونسأل الله أن يتوب عليهم، لكن نتكلم عن هذا الإمام محمد عبده المصري، هو بارع ذكي وتلميذ جمال الدين الأفغاني، كان يشرح القرآن فيبهر الألباب، جلس في تونس ومصر وفرنسا وباريس وكون جريدة العروة الوثقى وهي جريدة يومية، كان يسلب الألباب بكتابته، وكان إذا تكلم في القرآن يقف الناس مدهوشين منه!

الرجل الله أعلم به، لكن اتهم بأمور أما ظاهره فطيب، ومن يقرأ تفسير المنار لرشيد رضا يعلم أن الرجل فيه الخير وأنه يريد الخير لكن اتهم بالاعتزال، واتهم ببعض الانحرافات، واتهم أنه تورط مع الماسونية العالمية وربما يوجد له أعذار، ولكن بالنسبة لي لا يزال من الأشخاص الذين أتوقف فيهم، ونسأل الله ألا يحاسبنا بذنب أحد من الناس هو وجمال الدين الأفغاني {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:١٣٤].

الشخصية الخامسة: عبد الله بن المقفع؛ اتهم بالزندقة وهو أديب كبير، ولكن وجد أنه يريد من الناس أن يعبدوا النار، فعلمه عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.

إلى هنا وننتهي وسوف يكون للدرس بقية، أسأل الله لي ولكم قبولاً وهداية وسداداً، وأسأل الله أن يجعل ما تجشمتم به من تعب في سبيله، وما مشيتم فيه من خطوات رافعات للدرجات، درجات الحسنات مكفرات للسيئات، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>