للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تحذير الأنبياء أمتهم من الدجال]

وعن سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسبب تسميته سفينة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه متاعاً يحمل فحمل، فزاده الصحابة متاعاً، ثم زادوه، ثم زادوه فحملها من قوته، قال صلى الله عليه وسلم: {احمل إنما أنت سفينة} يتبسم له، فسموه سفينة، وله كرامة حيث نزل في البحر فانكسرت السفينة فركب خشباً منها فهبت به الريح إلى الساحل، فنزل إلى الساحل فإذا الأسد (أبو حيدرة) على الساحل ينتظره فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فكان الماء أسهل، وتعرفون الأسد أنه ملك الحيوانات حتى سماه الله في القرآن ولم يهدد بحيوان آخر يقول: {فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:٤٩ - ٥١] وقسورة: هو الأسد، له مائة اسم، اسمه طلحة، وحمزة، وقسورة، وحيدرة، وأسامة، وهزبر، والليث.

وسامحوني أن أستطرد في قضية ذكرها صاحب كتاب" كليلة ودمنة " يصفها للناس حتى يمتثلوا ويعتبروا بها من التجربة، وإلا يمكن أنها لم تقع، يقول: قام الأسد في الصباح، وكان ملك الحيوانات، فقال: اذهبوا والتمسوا لي رزقاً، أي: غداء وعشاء، فذهبوا فأتوا بظبي وأرنب وغزال، فوضعوها أمامه ميتة، قال: من يقسم بيننا؟ فأتى الذئب -الذئب عجول دائماً (أبو حصين) ليس عنده فكر، فالثعلب أذكى منه، الذئب فارس ولكنه عجول- قال: أنا أقسم، قال: كيف؟ قال: أما الغزال فلك؛ لأنه كبير، وأما الظبي فلي، وأما الأرنب فلأبي معاوية (الثعلب) لأنها صديقة له دائماً، ولذلك تجد هذا الثعلب ما يهوي إلا على الأرانب والدجاج فقط، فغضب الأسد فأتى فخلع رأس الذئب بيده في الأرض، وقال: من يقسم بيننا؟ قال الثعلب: أنا يا أستاذ، قال: تفضل، قال: أما الأرنب ففطور لك، وأما الظبي فغداء لك، وأما الغزال فعشاء، قال: من علمك هذه الحكمة؟ قال: رأس الذئب!!

يقصدون بهذا أنك إذا أخطأ رجل أمامك تستفيد من خطئه، يقول المتنبي:

مصائب قوم عند قوم فوائد

أي: أن تستفيد فهذا هو المقصود وهو درس تربوي، لكن جعلوه في صيغة حيوان؛ لأنه أصلاً في كتاب" كليلة ودمنة " طلب ملك من الملوك أن يكتب له هذا الحكيم، فخاف أن يكتب ويتكلم على أسرة الملك، فتكلم على الحيوانات، أي: (إياك أعني واسمعي يا جارة) حتى يعرف هو.

فنزل سفينة وإذا الأسد أمامه، والبحر من ورائه قال: يا أسد! أنا من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فدعني، قال: فطأطأ الأسد له، ثم شم ثيابه، ثم تركه، وهي في ترجمة سفينة في كتب السيرة رضي الله عنه وأرضاه.

وعلى سبيل الاستطراد صلة بن أشيم وقعت له قصة حيث كان في خراسان يغزو، وقيل: في جهة كابول، وكان من العباد الكبار، فترك الجيش نائمين، فقام يتوضأ، ودخل غابة من شجر يصلي، وفي أثناء الصلاة أتى أسد -يقول أحد تلاميذه- فرقيت شجرة ألتمس ماذا يفعل صلة، قال: فأتى الأسد فطاف به فو الله ما تغير ولا استعجل في صلاته ولا تحرك من مكانه، ثم سلم من ركعتين، وقال: أيها الأسد إن كنت أمرت بقتلي فكلني وإلا فاتركني أصلي، قال: فزأر، ثم أرخى ذنبه وسحبه وذهب.

أي أمة سخر الله لها الحيوانات!! وأعود لـ محمد إقبال، يقول في إفريقيا: إن عقبة بن نافع لما مر بـ إفريقيا - وهذا صحيح في كتب التاريخ - خرجت عليه الحيات، والثعابين مع الجيش في إفريقيا في الغابات والأسود فوقف عقبة بن نافع رضي الله عنه وأرضاه يريد أن يفتح إفريقيا كلها قال: أيها الحيات، والعقارب، والثعابين، والسباع، والأسود نحن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، جئنا نفتح الدنيا بلا إله إلا الله فادخلي جحورك بإذن الله فدخلت، يقول محمد إقبال:

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا

وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا

قال سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر} وفي رواية كما قلت: تتهجى ك - ف - ر، أي: منفصلة: {يخرج معه واديان أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة، وجنته نار، ومعه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء لو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، واحد منهما عن يمينه والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت، ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت؟ فيسمعه الناس، فيظنون أنما يصدق الدجال -هذا الملك يصدق الملك في تكذيب الدجال- فيظنه صدق الدجال، وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة فلا يؤذن له فيها، فيقول: هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله - عَزَّ وَجَلَ - عند عقبة وفيق} والحديث سنده صحيح ووثق رجاله النسائي وله شواهد عند أهل العلم.

وقد اختلف أهل العلم أيهما أفضل المدينة أم مكة؟

فقال الإمام مالك: المدينة أفضل من مكة، والصحيح: أن مكة أفضل، وأن الصلاة في الحرم بمائة ألف صلاة فيما سواه، وأن الصلاة في مسجده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألف صلاه فيما سواه، إلا في الحرم المكي، ولكن المدينة لها ميزة في آخر الزمان كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يأرز الإيمان إليها كما تأرز الحية إلى جحرها} وهذه بلاغة لا يدركها إلا أصحابه عليه الصلاة والسلام، وصف (يأرز) والحية لها جحر، فشبه الإيمان بها؛ لأن الإيمان في آخر الزمان يأرز إلى المدينة والمدينة تنفي خبثها وينصع طيبها، ولا يرتاح المنافقون في المدينة وتتشوش أفكارهم.

والحقيقة أن المدينة فيها لأواء ولكنه لا يصبر على لأوائها إلا مؤمن، وهم الذين يحبون السكنى هناك، ولكن تجب الطاعة في أي مكان فإن الأرض لا تقدس أحداً، ولو كنت وراء البحر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>