للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تبشير التوراة بالرسول صلى الله عليه وسلم]

أنزل الله التوراة على موسى عليه السلام, والله كتبها بيده, والعجيب أن التوراة كتبها بيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والقرآن كتبه الكتبة, والإنجيل كتبه الكتبة, أما التوراة فكتبها الله عز وجل بيده, ولذلك لما التقى موسى عليه السلام وأبونا آدم في السماء السابعة، وقيل: في السادسة, وقيل: غير ذلك, فسلّم موسى على آدم, وبينهم آلاف السنوات وهذا ابنه, موسى لم يبعث إلا بعد آلاف السنوات, بعد أن رفع الله موسى كما ثبت في الصحيحين, قال: {أنت أبونا آدم؟ قال: نعم.

قال: خيبتنا -موسى كان جريئاً, حتى يقول ابن تيمية: كان جريئاً وشجاعاً, حتى لما كلمه الله عز وجل يقول: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣]- قال: خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، وأهبطتنا إلى الأرض -لماذا تأكل الشجرة, نهاك الله أن تأكل الشجرة فأكلتها, فنزلت فنزلنا, ولو جلست في الجنة لجلسنا في الجنة كلنا, لكن أنت السبب الأول في نزولنا- قال آدم عليه السلام: من أنت؟ قال: موسى, قال: موسى بني إسرائيل؟ -لأنه يقرأ سيرته- قال: نعم.

قال: أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، بكم وجدت الله كتب علي ذلك -يقول كم رأيت في التوراة كتب عليَّ أن آكل من الشجرة- قال: بأربعين سنة, قال: أفتلومني على شيء قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: فحجّ آدم موسى, فحجّ آدم موسى, فحجّ آدم موسى} أي: غلبه, فسكت موسى عليه السلام.

فلما أنزل الله التوراة على موسى قال المؤلف: كانت محتوية على الشرائع التي تناسب أهل ذاك الزمن, نوه بذكر كثير من الأنبياء الذين علم الله أنه سيرسلهم, ومما جاء به في التوراة تبشيراً برسولنا الكريم خطاباً لسيدنا موسى عليه السلام, وخطاب التوراة مترجم إلى العربية يقول وهذا يعرفه بنو إسرائيل جميعاً, حتى اليهود الآن الذين في فلسطين يعرفون هذا الكلام: " سوف أقيم لهم نبياً مثلك, من بين إخوتهم، وأجعل كلامي في فمه, ويكلمهم بكل شيء آمره به ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي, فأنا الذي أنتقم منه, فأما النبي الذي يجترئ علي بالكبرياء ويتكلم باسمي بما لم آمره به أو باسم آلهة أخرى فليقتل, وإذا أحببت أن تميز بين النبي الصادق والكاذب, فهذه علامتك، إن ما قاله ذلك النبي باسم الرب ولم يحدث فهو كاذب يريد تعظيم نفسه ولذلك لا تخشاه.

هذا كلام من التوراة يخبر بالرسول عليه الصلاة والسلام.

والعجيب أن الكتب التي أنزلها الله عز وجل لا تسمو إلى بلاغة أو إعجاز القرآن, إذا قرئ علينا في الصلاة كأنه أول مرة تسمعه, ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأنس وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الاسراء:٨٨] وعرف اليهود أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يبعث, ولكنهم أخذهم الحسد لأنه عربي, وهم يريدون أن يكون من اليهود.

كان رجل في المدينة قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان اليهود أهل النخل في خيبر , فكان يجمع اليهود كلهم -هذا عالم من علمائهم- ويقول: يا معشر اليهود! النبي سوف يبعث في هذه الأيام، وسوف يبعث من عندنا, قالوا: ما علامته؟ قال: ربعة من الرجال، أبيض مشوب بحمرة، يخرج من بين حرتين, لا يقرأ ولا يكتب, فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فخرج من بين الحرتين, أبيض ربعة لا يقرأ ولا يكتب, فيقول اليهود لعالمهم الذي كان يقص عليهم بعد صلاة العصر: أهذا هو الرسول؟ قال: لا.

فأنزل الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩].

ويقول عبد الله بن سلام: {كنت أقرأ وصف الرسول عليه الصلاة والسلام في التوراة -هذا يهودي من علمائهم- قال: فلما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة جهة قباء -المسجد المعروف عند قباء - قال: فنزلت السوق فتركت نخلي وأتيت من مزرعتي، وإذا بالناس قد اجتمعوا على الرسول صلى الله عليه وسلم, قال: فزاحمت حتى أشرفت، فرأيت وجهه، فإذا هو كأنه القمر في ليلة أربعة عشر, قال: فعرفت أنه ليس بوجه كذاب, قال: فاقتربت منه وإذا هو يقول: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخوا الجنة بسلام, فقلت له: من أنت؟ قال: أنا رسول, قلت: من أرسلك؟ قال: الله, قلت: ألك علامات؟ قال: سل ما بدا لك, قال: أسألك عن ثلاث مسائل -هذا عبد الله بن سلام وهو عالم من علماء اليهود- إن أجبتني عنها فأنت صادق يتحداه!! قال: ما هي؟

قال:

أولاً: ما أول علامات الساعة؟

ثانياً: ما هو أول شيء يأكله أهل الجنة؟

ثالثاً: لماذا يشبه الولد أباه أو يشبه أمه؟

قال عليه الصلاة والسلام: أما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب قال: صدقت.

قال: وأما أول ما يأكل أهل الجنة في الجنة فزيادة كبد الحوت، قال: صدقت.

وقال: وأما لماذا يشبه الولد أباه أو أمه، فماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة رقيق أصفر، فإذا علا أحدهما الآخر أشبه أباه أو أمه, قال: صدقت! أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله, ثم قال: يا رسول الله! قال: نعم.

قال: أنا من أحبار اليهود ومن علمائهم, وقرأت أوصافك في التوراة, فأدخلني هذه المشربة -المشربة غرفة دائماً تأتي وراء الغرف الكبرى- فأدخله عليه الصلاة والسلام وأغلق عليه الباب -باب خشب- وقال: ادع اليهود واسألهم عني وسوف تسمع, ثم أخبرهم أني أسلمت, فدعا صلى الله عليه وسلم عشرة من علماء اليهود الكبار الذين يحفظون التوراة، فأجلسهم أمامه, وعبد الله بن سلام وراء الباب, قال: كيف عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: حبرنا وابن حبرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وفقيهنا وابن فقيهنا, ففتح صلى الله عليه وسلم الباب له, وقال: أرأيتم إن أسلم؟ قال: أعاذه الله من ذلك, قال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, قالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا} , وهذه لا تقبل نعوذ بالله من الخذلان, هؤلاء اليهود يعرفون مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام, ولكنهم غضبوا لأنه عربي.

ولذلك لا يقبلونا الآن غضباً؛ لأن دعوته غطت ثلاثة أرباع الكرة الأرضية عليه الصلاة والسلام, والمستقبل لدعوته وهم الآن شرقوا بها, ويموتون من ذكره صلى الله عليه وسلم, يقول سبحانه في مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤ - ٤٦].

يقول: لو زاد من عنده على كلامنا لقطعنا منه الوتين, قالوا: العرق الذي فيه الحياة, قال: لصرعناه أو لقتلناه وقيل: لذبحناه, يقول: ليس له أن يتكلم بكلمة إلا منا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>