للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فترة انقطاع الوحي]

قال المؤلف رحمه الله: "باب فترة الوحي" بعد أن أنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام الوحي لأول مرة في غار حراء، وهي سورة العلق، فتر الوحي عنه عليه الصلاة والسلام، لم ينزل من السماء شيء ولم يأته جبريل، قيل: هذه الفترة كانت أربعين ليلة، لم يجد صلى الله عليه وسلم فيها وحياً ولم ينزل عليه قرآن، فأتاه من الخوف ما الله به عليم، وحزن صلى الله عليه وسلم واغتم؛ لأنه كان يطمع أن يكون -كما نزل عليه الوحي- رسول هذا العالم، وأن ينزل عليه الله هذا النور، وأن يأتيه هذا الوحي وهذا العلم، كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:١١٣].

فلما وصل إلى هذه المرتبة فتر الوحي عنه عليه الصلاة والسلام، فاهتم هماً لا يعلمه إلا الله، حتى يذكر في بعض الروايات أنه كان يشرف صلى الله عليه وسلم من كثرة الهم من رأس بعض الجبال ليتردى، يريد أن يرمي بنفسه عليه الصلاة والسلام بعد هذه المأساة العظيمة، وبعد هذا الانقطاع الهائل من الوحي، وكانت تمر به عجوز، فتسأل، تقول: هل نزل عليه وحي؟

فيقولون: لم ينزل وحي، قالت: قلاه ربه، تركه شيطانه.

تقول: الشيطان الذي كان ينزل عليه تركه، وتعالى الله عما يقول هؤلاء علواً كبيراً، وتكرم عليه الصلاة والسلام عن هذه العبارة، قالت: تركه شيطانه، فأنزل الله عز وجل: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:١ - ٣] هذا قسم بالضحى، وبالليل إذا أظلم، أن الله ما ودعك وما تركك ولا هجرك ولا قلاك ولا أبعدك، وأنك ما زلت حبيباً وخليلاً وقريباً ومكرماً، وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم يسير، سمع هاتفاً يهتف، فالتفت، فإذا الملك بين السماء والأرض وإذا هو يخاطبه على كرسي، وأنزل الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:١ - ٢].

هذه هي فترة الوحي أربعون ليلة، انقطع الوحي فيها، والسبب في ذلك: ليشتاق الرسول عليه الصلاة والسلام للوحي، وأن يكون أكثر اشتياقاً له؛ ولذلك يقول بعض الفضلاء والحكماء: إذا أردت من أخ أن يتحبب إليك فحاول أن تبتعد عنه قليلاً، فإنه سوف يتعلق بك أكثر، فإن بعض الناس إذا تعلقت به حاول أن يبتعد عنك، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -وله المثل الأعلى- أراد أن يشوق رسوله عليه الصلاة والسلام إلى الوحي، ففتر الوحي أربعين ليلة ثم اتصل، أما قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:١] فإنه لما رجع عليه الصلاة والسلام -هذه غير رجعة الغار- رجع وهو ينتفض ويرتعد عليه الصلاة والسلام ويقول: {دثروني دثروني} مثل: {زملوني زملوني} أي: ألحفوني، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:١ - ٤] قيل: معنى ثيابك فطهر أي: طهرها من النجاسات وهذا شرطٌ في الصلاة، وقيل: من الأدناس والأوضار، وقيل: طهِّر عرضك من كل ما يصم العرض {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:٥] قيل: الرجز الصنم لا تعبده، وقيل: الرجز العذاب، يقول: كلما يستوجب عذاب الله وغضب الله فاهجره واتركه، هذا هو الرجز، فاهجر: اترك (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) يقول: لا تعط الناس عطية، وأنت تطمع أن يردوا عليك عطية أكثر منها؛ لأن هذا منٌ واستكثار من عطايا الناس، هذا توجيه الله له.

<<  <  ج:
ص:  >  >>