للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العاص بن وائل وأذيته للنبي صلى الله عليه وسلم]

قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن العاص بن وائل، وكان هذا العاص -كما قلت لكم- هو أبو عمرو بن العاص - السهمي قتل في بدر، أتى إلى خباب بن الأرت، فصقل له سيفاً، وخباب كان يعمل على الكير، فقال خباب: أعطني الأجرة، قال: أتؤمن بمحمد؟ قال خباب: نعم أومن، قال: وتؤمن أن الله يبعثنا بعد الموت، قال: نعم أومن، قال: فانتظر حتى يبعثنا الله فأعطيك الأجرة؛ لأني سوف أكون كثير المال يوم القيامة -يضحك- قال: كيف تكون كثير المال؟

قال: لأني إذا بعثت سوف أكون على وضعي في الحياة الدنيا، وأنت سوف تكون على وضعك، يبعثك الله كياراً حداداً، ويبعثني غنياً تاجراً.

اسمع رد القرآن، ليس برد البشر: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} [مريم:٧٦ - ٨٠] هذا رد القرآن، يقول: انظر إلى هذا المجرم الذي يتقول على الله، وكأن عنده عهداً من الله عز وجل أو أثارة من علم، أنه سوف يبعث غنياً -كذاب وهو مجرم- ويقول الله بعدها؛ لأن هذا المجرم العاص بن وائل يقول: سوف أبعث من القبر في أسرتي، بني سهم سوف يخرجون معي من القبور، فيحمونني من ملائكة محمد الذي يزعم أنهم يأخذون الرجل فيكبونه في النار، قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٩٣ - ٩٥].

وهذا رد على كل طاغية في الأرض، فلا حرس ولا موكب ولا حراسة ولا حماية إلا حماية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا في الحياة الدنيا، وأكبر آية أن الإنسان يدفن بدون أن يدخل معه أحد.

هارون الرشيد الذي حكم ما يقارب نصف الكرة الأرضية المشرق كله من السند إلى أسبانيا، قال لما حضرته الوفاة، قال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه، وعبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، لما حضرته الوفاة، قال: يا ليتني كنت غسالاً، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الملك، وهذه هي مصائر الناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤].

<<  <  ج:
ص:  >  >>